الدولة و السياسة الاقتصادية

 الدولة و السياسة الاقتصادية

 الفصل الاول  : السياسة الاقتصادية

  المطلب الأول  : مفهوم السياسة الاقتصادية

    إن مفهوم السياسة الاقتصادية تعني المنهج المتبع لدى بلد معين في التعامل داخل مجال نشاط السلع و الخدمات, وفي هذا الصدد إما تعتمد الدولة سياسة أو نظام الأنشطة الحرة أي سياسة السوق المفتوح ،

 وإما تعتمد نظام أو سياسة الاقتصاد الموجه

 أ – نظام النشاط الحر 😦 الاقتصاد المفتوح )

  وهو النظام الذي ترفع فيه الدولة القيود على بعض السلع و الخدمات ضمن دائرة التعامل بين الأفراد أو المؤسسات داخل البلد الواحد و خارج الحدود .

 ب – نظام النشاط الموجه :

           وهو النظام الاقتصادي الذي تكون فيه سلطة الدولة هي المسيطرة و الموجهة لسياسة النشاط الاقتصادي في سوق السلع و الخدمات , بحيث تحدد الأسعار للسلع وتدعم الأسعار في حالة وجود فارق بين السعر الحقيقي للسلعة و السعر المعروض في الشوق مع وجود تدني لدخول الأفراد .

  المطلب الثاني : أنواع السياسات الاقتصادية

           تتمثل أنواع السياسات الاقتصادية في سعر الصرف و السياسة النقدية  , وهما نوعان أساسيان في التعامل .

 أ – سياسة سعر الصرف :

           إن الدولة في سياستها الاقتصادية المتبعة تتحكم في نشاط معين للحد منه أو تشجيعه فتستخدم سياسة سعر الصرف حيث يمكنها أن تقوم بتخفيض في قيمة العملة للحد من تسرب العملة للخارج, و قد تلجأ إلى هذه الطريقة إذا أرادت أن تشجع الاستثمار بالأموال في مشاريع داخلية , و المحافظة على كمية النقود داخل الحدود.

 ب – السياسة النقدية :

 إن سياسة النقود عملية تلجأ إليها الدولة في عدة حالات منها :

 –         الحد من إصدار النقود .

 –         التحكم في الكتلة النقدية بضمان ثبات معدل الدوران للمخزون النقدي.

 ومن خلال ذلك يمكن للدولة أن تقلل من نسبة القروض و التسهيلات المصرفية الممنوحة للقطاعات, لأن من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ضعف الأسواق الأولية و غرق الشركات عن طرح أسهمها للاكتتاب العام هو محدودبة الوعي المالي لدى المستثمرين .

 المطلب الثالث : أدوات السياسة الاقتصادية

           إن الهدف من دراسة أي سياسة اقتصادية هو تحقيق التوازن بين المداخيل و المنتجات لسوق السلع و الخدمات و الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة و الحد من الفقر .      

 و من بين الأدوات الممكن استغلالها لتحقيق هذا الهدف , و تتخذها الدولة كإصلاحات هيكلية تتمثل فيما يلي:

 –         تحرير الرقابة على الأسعار و إلغاء بعض احتكارات القطاع العام.

 –         خوصصة العديد من المؤسسات الحكومية .

 –         إلغاء الحواجز غير الجمركية و خفض رسوم الإستيراد.

 و هناك من الدول من يلجأ إلى أبعد من ذلك  و هو تحرير أسعار الصرف و إلغاء الرقابة المباشرة على الائتمان المصرفي .

 المبحث الثاني : السلطات الاقتصادية

           إن السلطة الاقتصادية تشمل جانبين : جانب السلطة المالية ، و جانب السلطة النقدية .

 المطلب الأول : السلطة النقدية

                    إن الجانب النقدي له أهمية و أثر كبير في السياسة الاقتصادية داخل النشاط الاقتصادي .

 و لهذا  فإنه قبل الشروع في أي سياسة اقتصادية يجب التفكير و التأكد من قدرات السلطات النقدية أو المؤسسات المصرفية و النقدية للبلد ومدى تحملها لمواكبة النظام الاقتصادي المزعوم انتهاجه من قبل الدولة مع مراعاة أسعار الصرف لأي نظام سعر. الصرف المتغير يتحدد من خلال القوة الشرائية لكمية النقود إضافة إلى عوامل أخرى منها العرض و الطلب و معدلات الفوائد , و التضخم و التطور الاقتصادي و القوة الاقتصادية .

 المطلب الثاني  : السلطة المالية

 إن عملية التمويل عنصر أساسي  في تمرير السياسة الاقتصادية , و على هذا الأساس يجب توفر أدواته و المتمثلة في التمويل الذاتي , تمويل طويل الأجل الأقراض , تسهيل الإيداع .

 و هذه العناصر أساسها البنوك المحلية للبلد المعني و مدى قدرتها على توفير الأموال لإدارة المشاريع , و يساهم في ذلك أيضا إلى جانب البنوك المحلية البنوك الخارجية في ظل نظام الشراكة. حيث تساهم هذه البنوك أو المؤسسات المصرفية بإعطاء قروض لأجل أو قروض في شكل مساهمات في رأس المال .

 

 الفصل الثاني : العولمة و السياسات الاقتصادية الدولية

 المطلب الأول : مفهوم العولمة الاقتصادية

            العولمة هي ظاهرة متعددة الأوجه , و تتضمن عدة جوانب منها جوانب سياسية , اقتصادية و ثقافية و بيئية  . ولذا يمكن القول أن العولمة الاقتصادية هي نظام يشير إلى إزالة العوائق الوطنية الاقتصادية و نشر التكنولوجيا و التجارة و أنشطة الإنتاج و زيادة قوة الشركات عابرة الحدود الوطنية و المؤسسات المالية الدولية و تحرير الأسواق , و إلغاء القيود عليها و خصخصة الأصول  و زيادة التعاملات في النقد الأجنبي , و تكامل أسواق رأس المال , و استحداث أدوات مالية جديدة , وينتج عن ذلك زيادة اعتماد الأسواق .   

 المطلب الثاني : العولمة و التنمية الاقتصادية

           إن من أبرز العناصر المساهمة في التنمية الاقتصادية في ظل العولمة هي منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية (OCDE)  الشبكة الممثل دورها للدولة الغنية حيث أطلق عليها تسمية نادي الأقوياء إقتصاديا

 ينمثل دورها في كونها تعتمد على  البحث و الدراسات  و متابعة التطورات الاقتصادية , في كل دولة عضو

 في هذه المنظمة و مقابلة كل هذا بما يجري في بقية دول العالم لمدة 25 سنة القادمة , ومن ثم نقترح الحلول المناسبة إذ أنها لا تصدر قرارات و لا تتبنى إجراءات عملية.

 و من أهم نشاطات المنظمة أنها أعد ت مشروع بحث سنة 1995  بعنوان INTERFUTURS  قصد تصور نمو اقتصاديات أعضاؤها و علاقة هذا النمو بما يحدث في الدول النامية حتى نهاية القرن.

 و في نفس السنة أجرت دراسة أخرى تمتد إلى سنة 2.2. اسمها INTERDEPNCE   أو الاعتماد المتبادل

 ومن خلال هذه الدراسات خرجت بفرضية أولى تتمثل في أن نمو إقتصاد أعضاء المنظمة بمعدل ثابت

  3 %سنويا طول هذه الفترة, و معدل نمو الدول  غير الأعضاء  يبلغ 6.7% على أساس نجاح الإصلاحات الاقتصادية و السياسية التي توفر الحرية الكاملة لحركة المبادلات و الاستثمار بين الدول.

 أما الفرضية الثانية فتقوم  على أساس أن معدل نمو 3 % في دول المنظمة و 4.8 % في الدول الأخرى على أساس تأخر عدد من الدول عن إجراء التحرير الكامل للتجارة الدولية و الاستثمار الدولي .

 و توصلت الدراسة إلى خمس دول كبرى جديدة ( روسيا , الصين , أندونيسيا , الهند و البرازيل ) التي ستأخذ نصيبا وفر من مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم و حجم التجارة الدولية .

 المبحث الثاني :مظاهر العولمة

 المطلب الأول : التدويل

           إن ظاهرة التدويل تعبر في حقيقة وقعنا المعاش عن تدويل القوى المنتجة على المستوى العالمي , ويقصد بالقوى المنتجة جميع الوسائل والقدرات التي هي في متناول المجتمع البشري لأجل الإنتاج.

 وقوى الإنتاج تتضمن وسائل الإنتاج و قوى العمل التي تستخدمها هذه المجتمعات البشرية و بالتالي فهي تتضمن أساليب الإنتاج و تنظيم هذا الإنتاج وكذا مستوى العلوم و التكنولوجيا .

 المطلب الثاني : الثورة العلمية والتكنولوجية 

           لقد شاهد العالم ثورة في عدد من القطاعات المرتبطة أساسا بلإلكترونيك  و الإعلام الآلي و الاتصال

 و الكيمياء و البيولوجيا , الشيء الذي جعل البعض يتحدث عن رأسمالية إلكترونية .

 هذه الثورة سوف تغير ترتيب القطاعات الاقتصادية أين تصبح قطاع الخدمات المرتبطة بهذه القطاعات تحتل نصيبا أكبر في النشاط الاقتصادي و الإنساني ككل, كما تغير هذه الثورة من أنماط الإنتاج و التشغيل و كذا طرق التسيير.

 لقد عرف العالم في نهاية القرن الثامن عشر الثورة الصناعية التي نظمت التقسيم التقني و الاجتماعي للعمل حيث أصبحت الصناعة هي القطاع المحرك لكل النشاط الاقتصادي , هذا التقسيم كان قائما على أساس علاقة تبعية بين الإنسان و الآلة و كذا الفصل بين العمل اليدوي و الذهني , وبين التصميم و الإدارة و التنفيذ.

 ولقد تميزت الثورة العلمية و التكنولوجيا بمجموعة من الخصائص يمكن أن نذكر منها النقاط التالية :

 أ‌-       أعطى مكانة للعلم والبحث العلمي لم يشهدها العالم من قبل.

 ب‌-  إلزامية قيام علاقة جديدة بين الإنسان و الآلة و فالعامل الإنساني يصبح أولى من العالم التقني , لهذا سوف تعطى الثورة التكنولوجية مكانة أكبر للإنسان الحامل للعلم , فهذا الأخير هو كائن اجتماعي و ليس عاملا من عوامل الإنتاج الأخرى مما يستلزم قيام أساليب عمل و تنظيم جديد.

 ج- ظهور إنقلابا جذريا و نوعيا في الإنتاج أساسه الإلكترونيك و الإعلام الآلي و الإتصال وهذا مما يؤدي     إلى نمو سريع في للقوى المنتجة.

 د – التطور المذهل والسريع لقطاع  المعلومات و الاتصال وانعكاسه على مختلف جوانب النشاط  الإنساني , و هذا ما سيحدث انقلابا في عدة مجالات من النشاط الاقتصادي أولها مجال الإنتاج و أساسا أنماط العمل و التشغيل , حيث سينشر تشغيل اليد العاملة الماهرة و الرخيصة عن بعد و كذا إدارة الأعمال عبر الإعلام الآلي .

 التحولات على مستوى البنية الفوقية العالمية :

      عندما لاحت بوادر فوز الحلفاء , و بعد تلك الحرب العالمية الثانية و بعد الفوضى السياسية و الاقتصادية التي عرفها العالم , سعت مجموعة من الدول لوضع مؤسسات دولية و جهوية لإعادة تنظيم شؤون العالم الاقتصادية و الاجتماعية و توفير شروط الإنطلاقة الاقتصادية و الاجتماعية و إزالة كل العقاب التي تعيق عملية تمركز  الإنتاج و الرأسمال على المستوى العالمي و خلق شروط اقتصادية و سياسية جديدة لإعادة اقتسام مناطق النفوذ.

 ومن خلال ما سبق يمكن أن نلاحظ الآن تغيرات هامة على مستوى الخريطة الاقتصادية و السياسية للعالم خاصة مع انهيار البلدان الإشتراكية سابقا و و تراجع حركات التحرر الوطني  في البلدان النامية , حيث شاهد ميلاد قطبي اقتصادي  وسياسي أحادي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية .

 الفصل الثالث :  تأثير العولمة على السياسات الاقتصادية

 المبحث الأول : التأثير على السياسة النقدية

               بالنسبة لهذا الجانب نلاحظ أن البنك العالمي هو ثاني مؤسسة ذات اعتبار كوني بعد صندوق النقد الدولي , حيث يقوم بمنح قروض طويلة الأجل همها قروض التكيف الهيكلي بهدف دفع تيار العولمة و دوره يتكامل مع دور صندوق النقد الدولي الذي حد دته لهما اتفاقيات ” بريتون وودز” , التي كلفت الصندوق بالسهر على ضمان قواعد الاستقرار النقدي الدولي , و تنمية العلاقات النقدية المتعددة الأطراف و البنك العالمي يقوم بتقديم العون المالي الضروري لتمويل التنمية طويلة الأجل , و إزداد هذا التكامل مع إستفحال المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية في البلدان النامية و إظطراب العلاقات النقدية و تدهور العلاقات التجارية و المالية بين مختلف الدول , بحيث كيف الصندوق و البنك شيئا فشيئا سياستهما و برامجهما لإعانة الدول النامية و سعيها للقضاء أو الحد من إشكاليتها النقدية و المالية و الهيكلية , و تتضح لنا الرؤية أكثر إذا علمنا أن العضوية في البنك العالمي مشروطة بالعضوية في الصندوق .

 و في ظل النظام الجديد يعتبر البنك العالمي  هو أقوى وكالات التنمية و التمويل الدولية , حيث يستعمل أمواله لأغراض شتى أهمها :

 –         تمويل المشاريع للبنية الأساسية 

 –         تشجيع رأس المال الدوالي الخاص .

 –         تسريع وتيرة الخوصصة .

 المبحث الثاني : التأثير على سياسة الميزانية

           إن تحقق المنافع المحتملة في ظل النظام العالمي بتوفير البنية الأساسية تحقيقا كاملا من عدمه مسألة تعتمد على الكيفية التي تقوم الحكومة بتوزيع المخاطر , فيمكن للحكومة أن تزيد المنافع بواسطة تحمل المخاطر التي تستطيع السيطرة عليها , و لكن ينبغي لها أن تتجنب تحمل المخاطر الأخرى .

 و بهذه الطريقة يواجه المستثمرون بخواطر قوية لإختيار المشاريع بعناية و إدارتها بكفاءة  , فهي تستطيع أن تقلل المخاطر التي يتعرض لها المستثمرون بواسطة إتباع سياسات إقتصادية  كلية وطيدة , و الإفصاح عن المعلومات , و تنفيذ قوانين و لوائح تنظيمية جيدة , و تدعيم سلطتها القضائية و و تستطيع أن تقيس بها الضمانات التي تقدمها وتوازنها و تحسبها , بحيث تكون التكاليف و المخاطر واضحة وقت إصدار الضمانات و ليس فبما بعد  عندما يتعين على الحكومة أن تسدد ، لأن من المعلوم في إطار توازن الميزانية أن الدولة عليها تكافأ بين إلتزاماتها و إيراداتها لتقييم الضمانات و الإلتزامات المحتملة كما يمكنها إستخدام قيمة الضمانات لحساب خسارة متوقعة .

 و عندما تقيم الضمانات , يكون من الأكثر إحتمالا أن تتخذ القرارات على أساس التكاليف و المنافع الحقيقية و ليس الظاهرة .

 و من وجهة النظر الاقتصادية فإن التمييز بين الخسائر المحتملة وغير المحتملة ليس مفيدا على الدوام ,

 إن وجود فرصة بنسبة 1. % بخسارة 1. ملايين من الدولارات أسوأ من وجود فرصة بنسبة 9. %

 لخسارة مليون دولار , و الأفيد من ذلك هو تقدير القيمة الحالية للخسارة المتوقعة الناجمة عن إلتزام محتمل

 و من شأن وجود نظام مثالي للمحاسبة و الموازنة أن يسجل القيمة الحالية المتوقعة لجميع العقود التي تبرمها الحكومة . 

 المبحث الثالث : التأثير على سعر الصرف

           نظرا لأن الكثير من استثمارات البنية الأساسية تمول بواسطة قروض مقومة بالنقد الأجنبي  و تعقد بأسعار فائدة معومة , فإن الأرباح تكون حساسة بشكل مرتفع للتغيرات في أسعار الصرف  و أسعار الفائدة .

 و يتبين أنه للوهلة الأولى أنه ينبغي للحكومة أن تتحمل بتعبئة المخاطر المرتبطة بهذا الخطر , لأن لها بعض السيطرة على أسعار الصرف و الفائدة , و سيكون لديها إذا ما تحملت هذه المخاطر حافز لإتباع سياسات اقتصادية كلية مستقرة.

و في ظل نظام العولمة ثمة عدد من الأسباب تجعل من الضروري للمستثمرين أن يتحملوا بمخاطر سعر الصرف و الفائدة :

 –         فأولا يمكن أن تشجع الضمانات الحكومية للمستثمرين على التعرض لحدود كبيرة من مخاطر أسعار الصرف , و عندئذ يستطيعون إذا ما حدث إنخفاض قيمة العملة أن يلقوا باللوم على الحكومة لما تعرضوا عنه من خسائر بدلا من الإعتراف بخطر الإفراط في الإقتراض بعملات أجنبية .

 –         ثانيا : يمكن أن يكون لضمانات سعر الصرف تأثير معاكس على سلوك الحكومة , وعلى سبيل المثال فقد تغري الحكومة بدم إجراء التخفيض الذي يكون مطلوبا في قيمة العملة المحلية في أعقاب صدمة في معدلات التبادل التجاري .

 –         ثالثا : قد تكون الكثير من الحكومات قد إننكشفت بالفعل هي و دافعو الضرائب الذين يدعمونها للمخاطر المرتبطة بصدمات سعر الصرف والفائدة .

 وقد تفضي صدمة معدل تبادل تجاري معاكس مثلا : تخفيض في قيمة العملة و إنخفاض في الدخول على حد سواء , مما يجبر الحكومة على تعيض المستثمرين في نفس الوقت التي تتقلص فيها قاعدتها الضريبية 

 إى أنه قد يكون لدى القطاع الخاص في حالة عدم وجود ضمان حكومي , حوافز أكبر على إدارة مخاطر سعر الصرف .

 المراجع :

 1 – أحمد فريد مصطفى  –   سمير محمد السيد حسن السياسات النقدية و البعد الدولي للأورو

 مؤسسة شهاب الجامعية  – الإسكندرية –

 2 – مروان عطوان الأسواق النقدية و المالية    ديوان   م – ج

 3 – باشوندة رفيق- رسالة ماجيستر –  عوامل التحكم في المردودية المالية  96      .1997/

 4 – التمويل و التنمية  -مجلة تصدر كل ثلاثة أشهر عن صندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء-المجلد 39  , العدد .1  – مارس 1999 –

 5 – العولمة و إدارة الاقتصادات الوطنية – وقائع الندوة المنعقدة في 18 و 19 نوفمبر 2… .-أبو ظبي –

 


 

الادخار

الادخار

    الادخار Ľepargne ظاهرة اقتصادية أساسية في حياة الأفراد والمجتمعات, وهو فائض الدخل عن الاستهلاك, أي إِنه الفرق بين الدخل وما ينفق على سلع الاستهلاك والخدمات الاستهلاكية. لذلك يطلق بعضهم أيضاً على الادخار لفظ «الفائض».

    ويكمن الادخار في اقتطاع يستهدف تكوين احتياطي, علماً أن هذا الاحتياطي يمكنه أن يفيد بالتناوب للاستثمار أو لاستهلاك آجل.

    المنظور التاريخي

    تبلور مفهوم الادخار منذ بدء الفكر الاقتصادي المنظم بالعلاقة مع مفهوم الفائض الاقتصادي. فهو من الدلالات العميقة التي تكمن خلف اهتمام الفكر الاقتصادي للتجاريين «المركنتيليين» بميزان تجاري إِيجابي وزيادة الاحتياطي من الذهب والفضة بوصفهما الثروة الرئيسة المرغوب فيها. وقد أبرز التجاريون أهمية المعادن الثمينة لأنهم عاشوا في القرنين السادس عشر والسابع عشر, إِذ سادت فيهما الحروب بين الدول وقل الإِنتاج وزاد الخوف من قلة الأغذية والمواد الأولية فكان تملك احتياطي ذهبي يعني تملك مزية الشراء نقداً إِضافة إِلى المزايا الاقتصادية والسياسية الأخرى. وهذا يعني أيضاً أن على الدولة أن تتدخل لتوجيه الاقتصاد الوطني. فالفكر الاقتصادي للتجاريين كان مرتبطاً بمرحلة البرجوازية النامية في حضن الإِقطاع, وكان على هذه البرجوازية آنذاك أن تدعم نفسها بقوة الدولة.

    ويعد الادخار كذلك من المعاني التي يوحي بها الفكر الفيزيوقراطي الخاص بإِنتاجية العمل الزراعي. فمن المعروف أن ما يميز الإِنتاجية لدى أصحاب هذا الفكر هو أن العمل الزراعي يوفر فائضاً في حين أن غيره من الأعمال لا يضمن ذلك.

    ويظهر مع التقليديّيْن الكبيرين سميث وريكاردو, وهما من أصحاب مذهب الحرية الاقتصادية, الاهتمام الواضح بالادخار واستخدامه المثمر. إِن سميث يقدم نموذجاً لزيادة الثروة والازدهار يقوم على قاعدة التراكم الرأسمالي. فكل ازدهار اقتصادي مشروط بتكوين رأسمالي سابق, ولكي يتحقق هذا التكوين لابد أن يسبقه الادخار. يقول سميث في كتاب «ثروة الأمم»: «إِن رأس المال يزداد بالادخار ويتناقص بالهدر وسوء الإِدارة… والصناعة التي غدت تحقق المزيد من الادخار, ماذا كان بإِمكانها أن تعطي من دون الادخار», وعلى هذا الأساس «فإِن زيادة الادخار تؤدي إِلى زيادة رأس المال الثابت, أي زيادة توسع الصناعات الحقيقية ثم زيادة كمية العمل المنتج المستخدم, مما يتيح تقسيماً أكبر للعمل الاجتماعي ورفعاً لمستوى الإِنتاجية مما يؤدي إِلى زيادة كمية الإِنتاج الإِجمالي وقيمته وذلك باتجاه تحقيق رفاهية السكان». ومشهور هجوم سميث على ما كان يعده تبديداً للفائض على يد الدولة الإِقطاعية, والملكية وانتقاده نفقات النبلاء وأثرياء التجار لأنهم يستخدمون الفائض الاقتصادي بطريقة غير منتجة.

    وكان لريكاردو الاهتمامات نفسها, فهو يعتقد أن من الضروري للتقدم الاقتصادي أن يزيد الإِِِِنتاج إِلى أقصى حد ممكن, وأن يؤلف الجزء الأكبر من هذا الحد الأقصى فائضاً يمتلكه المنظَّم الذي يعيد استثماره. وهذا هو ما يجعل ريكاردو ينادي بأن تكون الأجور في أقل مستوى ممكن, وكذلك دخول الملاك العقاريين. ويُرى في مؤلفات الاقتصاديين التقليديين كلهم الاهتمام نفسه بتحديد الطبقات الاجتماعية التي يؤول إِليها الفائض الاقتصادي وكيف تستخدم ذلك الفائض, وبأثر هذا الاستخدام في الادخار والنمو الاقتصادي.

     كان الكتاب التقليديون لا يفرقون التفريق الكافي بين عملية الادخار وعملية الاستثمار, وكانوا يرون أن الأموال المدخرة لابد أن تتجه إِلى نواحي الاستثمار المختلفة بصورة تلقائية, وهو ما يسمى أحياناً بالاستثمار التلقائي. إِن هذا التحليل يلخصه الاقتصادي الفرنسي التقليدي ساي بقوله إِن العرض يولد الطلب ويعني ذلك أن الدخل لابد أن ينفق كله, إِما في الاستهلاك وإِما في الاستثمار, على أساس أن جميع الادخارات لابد أن تستثمر.

    وقد بدأ ماركس من تحليل الاقتصاديين التقليديين بعد وضع النظام الرأسمالي في إِطار التطور التاريخي, وأكد أن الشكل المحدَّد للفائض الاقتصادي وحجمه وأسلوب تملكه وطريقة استخدامه تُعبر كلها عن مرحلة معينة من تطور العمل وتطور إِنتاجيته. وعند صوغ هذه الملاحظة ألح ماركس على عرض الأشكال التاريخية المختلفة التي اتخذها الفائض الاقتصادي والدور الذي قامت به تلك الأشكال المختلفة في التاريخ, محدداً بذلك جوهر الادخار ومصادره الأساسية في الأنظمة الاجتماعية المختلفة.

    ويختفي مفهوم الفائض الاقتصادي من مؤلفات معظم الاقتصاديين غير الماركسيين الذين كتبوا بعد مرحلة 18501870 فهناك أولاً التحولات الاقتصادية والاجتماعية نفسها في البلاد التي كان هؤلاء الاقتصاديون يعيشون فيها. ففي ذلك العصر كانت تلك البلاد قد بلغت مرحلة الرأسمالية المتطورة, فلم تبقَ هناك جدوى في النضال ضد التبديد الإِقطاعي لأن هذا التبديد كان قد اختفى عملياً, وفي مثل هذه الظروف كان المقدار الاقتصادي الأكثر دلالة فيما يتعلق بالنمو هو الاستثمار لا الفائض.

    إِضافة إِلى أن تحليلهم كان على مستوى المشروع والمستهلك. وفي هذا المستوى لا يبدو الاستثمار نابعاً من فائض اجتماعي, وإِنما يبدو صادراً عن قرار فردي.

    ولم تدرك الدولة الرأسمالية في مرحلة سابقة أهمية تعليل الدلائل الاقتصادية الأساسية, ومنها الادخار على مستوى الاقتصاد القومي, هذا الادخار الذي لابد منه لكي يكون الحجم الكلي للاستثمار كافياً, فقد أصبحت هذه المهمة من أبرز المهمات الاقتصادية للدولة بعد الحرب العالمية الأولى لمعالجة إِفرازات الدورة الاقتصادية وكوارثها ولاسيما بعد صدور كتاب جون مينارد كينز «النظرية العامة» ونظريته في أسلوب معالجة الأزمات الاقتصادية.

    لقد استنتج الاقتصاديون المحدثون أن عملية الادخار غير عملية الاستثمار وأن المدخر غير المستثمر, وأن الحوافز على الادخار غير الحوافز على الاستثمار, وبينوا أن الأموال المدخرة تتعادل مع الأموال المستثمرة, لا عن طريق سعر الفائدة, ولكن عن طريق الدخل القومي. ويحدث ذلك عند أي مستوى من الدخل القومي.

    الادخار في الفكر العربي

    لا يجد الباحث في المصادر المتوافرة عن الحضارة العربية الإِسلامية مدارس اقتصادية بالمعنى الحديث للكلمة, ولكنه يجد الكثير من الأفكار والقواعد الاقتصادية التي تستمد من القرآن الكريم أو السنة الشريفة أو فقه الصحابة والفقهاء المسلمين الذين جاؤوا بعدهم, كما يجد الكثير من الشروح في كتابات العلماء والفلاسفة العرب. ففي مجال الادخار يقر الإِسلام الوظيفة الاجتماعية المهمة للمال المدخر ويبدو ذلك في تحديده للالتزامات الواقعة على مالك المال في استثمار ماله فيما يفيد والتزام الزكاة والإِنفاق في سبيل الله, وعدم استعمال المال على نحو يلحق الضرر أو الأذى بالآخرين أو بمصلحة الجماعة, وعدم الإِبقاء على المال عاطلاً وعدم جواز اكتنازه وعدم الإِسراف في إِنفاقه.

    وكان لابن خلدون أهمية كبيرة في الفكر الاقتصادي, ويذكر في دراساته أن العمل يوجد القيمة, ويبين أهمية تقسيم العمل في زيادة إِنتاجية العامل وفي زيادة الدخل, وقد أشار إِلى دور المعادن النفيسة في الجهاز الاقتصادي من حيث إِمكان استخدام الذهب والفضة نقوداً ووسيطاً في المبادلات, وبيّن كيف تؤدي زيادة الطلب على السلع إِلى ارتفاع أسعارها, وأشار إِلى سوء توزيع أعباء الضرائب وأوصى بالتخفيف من الضرائب لآثارها الاقتصادية. ففي واقع الأمر اهتم ابن خلدون بالظواهر الاقتصادية الجزئية, كما اهتم بالاقتصاديات الكلية, فهو يقرر مثلاً أن الطلب يزيد بزيادة الدخل, ويقرر أن الدخل يتوقف على الإِنتاج وأن إِنفاق شخص أو قطاع, هو دخل لشخص آخر, أو قطاع آخر. وزيادة الطلب, عند ابن خلدون, تزيد الإِنتاج من الصناعات القائمة, كما تولد صناعات جديدة.

    ولقد أبرز ابن خلدون أهمية الادخار في التنمية إِذ يقول: «ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثانية, ثم زاد الترف تابعاً للكسب وزادت عوائده وحاجاته, واستنبطت الصنائع لتحصيلها, فزادت قيمها وتضاعف الكسب في المدينة لذلك ثانية, ونفقت سوق الأعمال بها أكثر من الأول.

    وكذا في الزيادة الثانية والثالثة, لأن الأعمال الزائدة تختص بالترف والغنى بخلاف الأعمال الأصلية التي تختص بالمعاش. فما كان عمرانه من الأمصار أكثر وأوفر كان حال أهله في الترف أبلغ من حال المصر الذي دونه.. حتى تنتهي إِلى الأمصار التي لا توفي أعمالها بضروراتها, ولا تعد من الأمصار, إِذ هي من قبيل القرى والدساكر, فلذلك تجد أهل هذه الأمصار الصغيرة ضعفاء الأحوال متقاربين في الفقر والخصاصة, كما أن أعمالهم لا تفي بضروراتهم, ولا يفضل ما يتأثلونه كسباً, ولا تنمو مكاسبهم, وهم لذلك مساكين محاويج إِلا الأقل النادر».

    الادخار الاختياري والادخار الإِجباري

    يمكن تقسيم الادخار في الاقتصاد الحديث إِلى قسمين: الادخار الاختياري والادخار الإِجباري.

    الادخار الاختياري:

    وهو الادخار الحر الذي يقوم به الفرد طوعاً واستجابة لإِرادته ورغبته نتيجة لموازنته بين وضعين: وضع إِقدامه على إِنفاق دخله ووضع إِمساكه عن هذا الإِنفاق. وتسهم جملة من الإِجراءات والسياسات في زيادة حجم الادخار الحر عن طريق إِيجاد الوعي الادخاري لدى المواطنين وتنميته, ودعم الضمانة والثقة بالادخار, وتطوير المؤسسات الادخارية وتوسيعها وتحسين خدماتها. 

    ولا تزال المؤسسات الادخارية في البلدان النامية محدودة العدد وقاصرة على تقديم الخدمات الضرورية للمدخر نتيجة لأسباب إِدارية وفنية, إِضافة إِلى أن الادخارات الفردية مقصورة في الغالب على المدخرين في المدن, ويكاد الادخار أن يكون معدوماً في المناطق الريفية لعدم وجود فروع للمؤسسات الادخارية كالمصارف وصناديق توفير البريد.

    الادخار الإِجباري:

    وهو ادخار يجبر عليه الأفراد نتيجة لمقتضيات قانونية أو لقرارات حكومية أو قرارات الشركات. وقد انتشر الادخار الإِجباري في الاقتصاد الحديث وفي مقدمة مجالاته المجالات الخمسة التالية:

    ـ نطاق الادخار التقاعدي لدى صناديق المعاشات والتأمينات الاجتماعية:

    وهذا النوع من المدخرات له أهمية خاصة لاتساع مجاله ولتمتعه بصفة الاستمرار والثبوت.

    ـ نطاق ادخار الشركات:

    وهذا النوع من المدخرات يتكون عندما تقرر الهيئة العامة لإِحدى الشركات دعم احتياطياتها أو عدم توزيع قسط من أرباحها قصد القيام بتمويل ذاتي, فيترتب على ذلك تناقص في الأرباح الموزعة على المساهمين.

    ـ نطاق الادخارات عن طريق الضرائب:

    إِذ تُحصّل الدولة الكثير من الأموال مما يوفر لها إِمكانات أكبر للاستثمار في المشروعات الإِنمائية من جهة, وتقليص الاستهلاك من جهة أخرى, ولاسيما الاستهلاك الخاص المرتبط بالتبذير والإِنفاقات غير المسوَّغة.

    وللضرائب في الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة أثر مهم في معالجة المشاكل الناجمة عن الدورة الاقتصادية وإِفرازاتها وإِعادة توزيع الدخل الوطني وتغذية خزانة الدولة, ولاسيما في المراحل التي تزيد فيها النفقات زيادة كبيرة إِثر الاندفاع نحو التسلح.

    أما في الدول النامية, فإِن للضرائب أثراً كبيراً في خدمة تمويل التنمية, وهي تسوَّغ بالدرجة الأولى بضعف إِمكانات الادخار الحر وضرورة تحقيق الأهداف التالية: ضغط الاستهلاك وكبح جماحه وتحويل الموارد منه إِلى الاستثمار, وتحويل موارد مبعثرة من أيدي الأفراد إِلى يد الدولة لتمويل الاستثمار العام, وتوفير الحوافز لزيادة الاستثمار وتوجيهه, وتقليل الفوارق الاقتصادية.

    ـ القروض:

    ويمكن تقسيمها إِلى قسمين: القروض الداخلية والقروض الخارجية.

    إِن القروض العامة الداخلية هي الأداة التي يُلجأ إِليها بسبب شح الادخار الحر وقصور الادخار الإِجباري ممثلاً في الضرائب. ويسوَّغ الاقتراض الداخلي في الدول النامية غالباً بتفشي ظاهرة الاكتناز وانتشار ظاهرة الإِنفاق الكمالي والمظهري والتفاخري وتدفق الاستثمارات إِلى الميادين غير المنتجة, إِذ يساعد الحصول على القروض وتوجيهها وفقاً لأهداف الخطة العامة للدولة وعلى أساس معايير الاستثمار مساعدة كبيرة في دعم جهود التنمية الاقتصادية.

    وتعترض سبيل الاقتراض الداخلي في الدول النامية مصاعب منها عدم توافر سوق نقدية منتظمة لتداول القروض القصيرة الأجل, وعدم نضج سوق رأس المال للتعامل في السندات الحكومية وسندات الشركات التجارية والصناعية, وعدم نماء العادة الادخارية المصرفية وضعف كفاية أجهزة تعبئة المدخرات وصغر حجم القطاع الصناعي.

    أما القروض الخارجية فهي الأداة التي تلجأ إِليها الدولة بسبب قصور التمويل المحلي ورغبتها في تجنب بعض المخاطر الاقتصادية الداخلية كالتدهور النقدي أو عدم الرغبة في تحمل ضرائب أعلى.

    وتساعد القروض الخارجية, إِذا أحسن استخدامها, على زيادة الناتج وتنمية الصادرات وبدائل المستوردات, مما يسهم في زيادة الدخل الوطني والمدخرات الوطنية وتحسين الميزان التجاري, كما تعاون على منع التضخم وتجنب تدهور العملة الوطنية.

     ـ التمويل التضخمي:

    إِذا لم يتيسر استدراك الفائض الاقتصادي من قطاعات الاقتصاد القومي طواعية بفضل الادخار الحر أو كرهاً بوساطة الضرائب أو عن طريق القروض, فإِنه يمكن أن يُسْتَحْدث ادخار بزيادة وسائل الدفع والائتمان ثم الاستحواذ عليها واستخدامها في تمويل التنمية باسم التمويل التضخمي.

    والتمويل التضخمي أو التمويل بالعجز وسيلة لتحويل الموارد من الاستهلاك الجاري إِلى التكوين الرأسمالي بإِصدار نقود أو ائتمان لسد الفجوة التي تحدث في تمويل خطة التنمية الاقتصادية.

    وتختلف الحال فيما يتصل بوسيلتي التمويل بالعجز أي الائتمان المصرفي وإِصدار النقود. يجب في الحالة الأولى توفية السلف المصرفية بعد انتهاء أجلها فتتحقق وسيلة للسحب التلقائي للقوة الشرائية الإِضافية التي ألقي بها في التداول, الأمر الذي لا يحدث في حالة إِصدار النقود مما يحتاج إِلى عملية بطيئة وصعبة.

    ويتحقق التمويل بالعجز غالباً في الدول المتقدمة اقتصادياً بالحصول على الائتمان من الجهاز المصرفي, في حين يكون في الدول النامية غالباً عن طريق إِصدار النقود.

    الادخار بين الاستثمار والاكتناز

    كان التقليديون يخلطون بين الادخار والاستثمار لأنهم يرون أن الادخار هو قرار بعدم استهلاك قسط من الدخل واستعماله في استثمارٍ أي في شراء رؤوس أموال, فكانوا يتصورون وضع المنظم الأوربي التقليدي الذي يستغلّ رأس ماله بنفسه ويمسك عن نفقات الاستهلاك قصد الزيادة من الاستثمارات. أما اليوم فقد استقلت عملية الادخار عن عملية الاستثمار لأن الأشخاص الذين يقومون بالعملية الأولى يختلفون في الغالب عن الأشخاص الذين يقومون بالعملية الثانية. فالادخار هو تنازل عن استهلاك قسم من الدخل, وقد تتعلق عملية الادخار هذه بالأفراد والأُسَر أو بالمشروعات أو بالدولة.

    وتتوجه الادخارات بمعظمها في الاقتصاد الحديث إِلى المؤسسات المصرفية والمالية في شكل ودائع أو بمقابل شراء أسهم, وتقوم هذه المؤسسات بتوجيه هذه الادخارات إِلى قطاع الإِنتاج لتستثمرها, وهناك قسط من الادخار يبقى جامداً خارج الدورة النقدية وهو الذي يكوّن الاكتناز ويشمل الأموال التي تبقى بيد أصحابها في شكل سيولة أو في شكل بعض المواد التي يضمن عدم تغير قيمتها مثل الذهب والصوف. وليس لهذه الأموال أي دور اقتصادي نافع لأنها لا تدخل في مجال الاستثمار.

    دوافع الادخار

    تقوم عملية الادخار على دعامتين أساسيتين هما: القدرة الادخارية والرغبة الادخارية. فالقدرة الادخارية هي قدرة الفرد على تخصيص جزء من دخله من أجل المستقبل, وهي تُحدَّد بالفرق بين حجم الدخل وحجم الإِنفاق, ويتوقف هذا الأخير على نظام معيشة الفرد وسلوكه وتصرفاته, ومن ثم فإِن القدرة الادخارية ليست متوقفة على حجم الدخل المطلق, بل هي مسألة نسبية تختلف من فرد إِلى آخر وتتغير بتغير الظروف.

    أما الرغبة الادخارية فهي مسألة نفسية تربوية تقوى وتضعف تبعاً للدوافع التي تدعو للادخار ومقدار تأثر الفرد والطبقات الاجتماعية بهذه الدوافع.

    وأهم الدوافع النفسية للادخار هي عطالة معينة في الاستهلاك عندما يرتفع الدخل, والرغبة في تنظيم النفقات تبعاً للتغيرات المتوقعة أو غير المتوقعة في الُمركَّب «دخل – حاجة», والرغبة في الإِثراء.

    أما الظروف التي تحدد درجة نشاط الدوافع الموضوعية فهي بالدرجة الأولى: الدخل, ومعدل الفائدة, والنظام المالي, ودرجة الاستقرار الاجتماعي والدولي, والنظام الاقتصادي – الاجتماعي.

    الدخل:

    يُعدّ الدخل عاملاً أساسياً في زيادة الادخار أو انخفاضه, فإِذا زاد الدخل بنسبة معينة فإِن الاستهلاك سيزداد, ولكن الادخار سيزداد بنسبة أكبر من نسبة الاستهلاك. وهذا يعدّ بنظر كينز قانوناً نفسياً أساسياً.

    معدل الفائدة:

    يختلف الاقتصاديون فيما بينهم حول تأثير معدل الفائدة على تكوّن الادخار في الاقتصاد الوطني. ففريق منهم يرى أن انخفاض معدل الفائدة يُسهم في ارتفاع حجم الادخار نتيجة للزيادة التي يحدثها الانخفاض في حجم الاستثمار وفي الدخل القومي, وعلى النقيض من ذلك يرى هذا الفريق أن ارتفاع معدل الفائدة يقود إِلى انخفاض حجم الادخار نتيجة للنقص الذي يحدثه ذلك الارتفاع في حجم الاستثمار وفي الدخل القومي إِذ الدخل في نهاية المطاف هو مصدر كل ادخار.

    ويرى فريق آخر أن انخفاض معدل الفائدة يؤثر سلباً على الادخار إِذ يثبط من عزيمة أصحاب الدخول في تأجيل استهلاكاتهم وتكوين الادخار.

    والأمر لا يتعدى الاحتمال لأن سلوك أصحاب الدخول والمستثمرين لا يتعلق فقط بمعدل الفائدة بل يخضع لمؤثرات أخرى مختلفة, وقد تكون متضاربة التأثير في الادخار.

    النظام المالي:

    إِذا عمدت الدولة إِلى زيادة الضرائب على الدخول انخفض حجم مدخرات الأفراد, وعلى العكس إِذا عمدت الدولة إِلى تخفيض الضرائب فقد يؤدي ذلك إِلى زيادة القدرة على الادخار.

    درجة الاستقرار الاجتماعي والدولي:

    تؤثر التوقعات التي تحدث في أوقات الأزمات الاقتصادية والحروب في حجم الادخار: فتوقع الأفراد حدوث نقص في إِنتاج سلعة استهلاكية معينة يؤدي إِلى تهافتهم على شرائها بكميات وافرة تكفي لاحتياجاتهم مستقبلاً مما يؤدي إِلى نقص المدخرات.

    النظام الاقتصادي – الاجتماعي:

    النظام الاقتصادي – الاجتماعي هو الذي يحدد في نهاية المطاف توزيع الدخل على طبقات المجتمع. فهناك فارق كبير في مصدر المدخرات بين بلدان المجتمع الرأسمالي والمجتمع الاشتراكي.

    ففي ظل الرأسمالية تتكون المدخرات من ادخار أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة بالدرجة الأولى. أما في ظل الاشتراكية حيث يعاد توزيع الثروة والدخل توزيعاً عادلاً بما يحقق تقليل الفوارق بين الطبقات إِلى أدنى حد ممكن, فإِن القاعدة الشعبية يرتفع نصيبها تدريجياً في الدخل القومي فتزداد قدرتها على الادخار.

    نظرية الادخار

    تعدّ نظرية كينز في الادخار من أوسع النظريات انتشاراً في الاقتصاد الرأسمالي الحديث. وخلاصة هذه النظرية أن الادخار تابع للاستثمار ويليه. فالاستثمار يؤدي إِلى توفير الدخل الذي يؤدي إِلى الادخار.

    إِن نظرة كينز للتوازن الاقتصادي العام تقوم على ثلاث قواعد أساسية هي:

    ـ هدم مبدأ التوازن الاقتصادي العام وفق وجهة نظر التقليديين والتقليديين الجدد من أمثال الاقتصادي الفرنسي ليون فالراس.

    ـ عرض نظرية جديدة للتوازن الاقتصادي العام.

    ـ عرض سياسة جديدة تقضي بتدخل نشيط وفعال للدولة في الحياة الاقتصادية لتجديد الإِنتاج الرأسمالي من وجهة نظر مصالح طبقة الرأسماليين قاطبة, في حين كانت النظريات السابقة تركز اهتمامها على المشروعات الفردية متجاهلة أهمية الدخل الاقتصادي الكلي في معالجة مسائل التوازن الاقتصادي العام.

    إِن منطلق كينز في هدمه لنظرية التوازن التقليدية هو محاولته القضاء على قانون ساي وذيوله. ففي رأي ساي ومؤيديه أن العرض يؤدي إِلى الطلب أي طلب ما يعرض. فليس هناك إِذن أية مشكلة في تقسيم الإِنتاج إِلى سلع استهلاكية وسلع إِنتاجية.

    أما من حيث رأس المال فإِن الفائدة, التي هي سعر رأس المال, قادرة على أن تنظم استعمال الدخل بين الاستهلاك والادخار مما يؤدي إِلى حصول التوافق بين عرض رؤوس الأموال الناتجة عن الادخار وطلب رؤوس الأموال هذه بقصد الاستثمار.

    فإِذا زادت حاجة المستحدثين إِلى رأس المال يكفي أن يرفعوا معدل الفائدة حتى يقبل المستهلكون أن يخفضوا استهلاكهم ويزيدوا ادخارهم مدفوعين بارتفاع الفائدة. وبالعكس إِذا قلت حاجة المستحدثين إِلى رأس المال انخفضت الفائدة فزاد الاستهلاك ونقص الادخار. ومن ثم فإِن هذه الآلية العفوية تضمن بقاء الاستثمار مساوياً دائماً للادخار.

    لكن كينز يناهض هذه النظرية بشدة إِذ يرى أن القضية ليست بهذه السهولة. ذلك أن قرارات المستهلكين, وقرارات المستحدثين, وقرارات المدخرين كل منها مستقل عن الآخر لأنها تخضع لدوافع مختلفة.

    ما من ناحية المستحدثين: فإِن حجم الإِنتاج الذي يقرره المستحدثون يتعلق بالطلب المنتظر الذي يتوخونه, آخذين في الحسبان كلف الإِنتاج التي عليهم أن يتحملوها في عمليات إِنتاجهم, وهذا يعني عملياً أن حجم الإِنتاج متعلق بالربح المأمول الذي سيعود للمستحدثين من جراء عمليات الإِنتاج. ولكن كيف يحدد هذا الربح؟ يجيب كينز: إِن الربح هو الفرق بين المردود الهامشي لرأس المال (أي العلاقة بين المردود المرتقب لوحدة إِضافية من رأس المال وبين كلفة إِنتاج هذه الوحدة الإِضافية) المستخدم في عملية الإِنتاج, والفائدة التي يدفعها المستحدث لرأس المال الذي حصل عليه من المقرضين. فإِذا كانت الفائدة 5٪ مثلاً والمردود المنتظر 15٪, فإِن عامل «الحض على الاستثمار» يكون كبيراً, وبالعكس, إِذا كانت الفائدة من شأنها امتصاص الربح المنتظر كله أو قسم كبير منه فإِن الحض على الاستثمار يختفي.

    وأما من ناحية المستهلك: فيكون السؤال: بماذا يتعلق الطلب الحقيقي (أي الطلب المنتظر) الذي سيأتي من ناحية المستهلكين وهم الذين يملكون الدخل الذي بفضله يشترون الإِنتاج ويدخرون, وما الذي سيخصصونه للادخار؟

    يجيب كينز: إِن هذا الأمر يعود إِلى الوضع النفسي للأفراد فهذا الوضع هو الذي يحدد «الميل إِلى الاستهلاك» كما يحدد الميل إِلى الادخار. والمهم لدى كينز هو الدخل وليس السعر, وهكذا يحل مفهوم السعر الذي بنى عليه التقليديون نظريتهم.

    وأما من ناحية المدخرين: فالسؤال هو: ماذا يحدث عندما يزداد الدخل؟ لاشك أن المدخرين سيميلون إِلى زيادة ادخارهم أكثر مما سيزيدون استهلاكهم. فإِذا زاد الدخل بنسبة 5٪ مثلاً فإِن الاستهلاك سيزداد 2٪ أو 3٪ ولكن الادخار يزداد 7٪ أو 8٪ فهو يزداد بنسبة أكبر من زيادة الدخل. وهكذا فإِن:

 

زيادة الادخار

> 1 و

زيادة الاستهلاك

< 1

زيادة الدخل

زيادة الدخل

 

أو

Δ د

> 1

Δ س

< 1

Δ خ

Δ خ

    حيث: د ادخار, س استهلاك, خ دخل.

    وهذا يعدّ بنظر كينز «قانوناً نفسياً أساسياً», وهو يلاحظ لهذا أن الأغنياء يدخرون أكثر مما يوفر الفقراء.

    والخلاصة أن كينز يرى أن النظام الاقتصادي يجد نفسه أمام عدد من المتغيرات المستقلة هي:

    ـ أن العرض يخضع لعامل «الميل إِلى الاستثمار» وهذا يُحدد بالفرق بين المردود الهامشي لرأس المال ومعدل الفائدة.

    ـ وأن الطلب يتنازعه الاستهلاك والادخار, وهما يخضعان للوضع النفسي لدى الأفراد بين «الميل إِلى الاستهلاك» و «الميل إِلى الادخار» من دون أن يكون لذلك علاقة بقرار المنتجين.

    ـ وأن معدل الفائدة يخضع هو أيضاً لعوامل اجتماعية نفسية (تفضيل السيولة النقدية, وكتلة النقد المتداولة) من دون علاقة مباشرة بعرض رأس المال أو الطلب عليه.

    وكل هذا يجعل من الصعب التصور أن خطة المنتجين ستتفق منذ البدء مع خطة المستهلكين والمدخرين, لذلك يرفض كينز فكرة قيام توازن عام عفوي منذ البداية, ولكنه يقر بضرورة وجود توازن عام في النهاية. فكيف يتحقق ذلك التوازن في مرحلة زمنية ما؟ وعلى أي مستوى؟

    الاستثمار والادخار

    توضح النقاط الأربع التالية وجهة نظر كينز في الاستثمار والادخار.

    تعادل الاستثمار والادخار:

    يرى كينز أنه في مستوى معين ما هناك تعادل بالضرورة بين الادخار وهو الفائض من الدخل بعد الاستهلاك, والاستثمار وهو زيادة في التجهيزات تعادل الجزء من الدخل الذي لا يمتص بالاستهلاك, فالادخار والاستثمار يتساويان إِذن لأن كلاً منهما يساوي ذلك الجزء من الدخل الذي لم يستهلك في نهاية المرحلة, وهكذا فإِن تساويهما يتم في النهاية لا في البداية.

    وهذه الآلية للتعادل بين الاستثمار والادخار ليست أبداً آلية الأسعار كما كان يعتقد التقليديون. إِن آلية الأسعار تصلح, كما يرى كينز, على الصعيد الفردي أو على مستوى مشروع منعزل: فانخفاض الأسعار يمكن أن يعطي الفرد أو المشروع مزايا خاصة, وارتفاع الأسعار يُحدث العكس.

    هذا الانخفاض أو الارتفاع في الأسعار يؤدي إِلى نتيجة لم يفهمها التقليديون: فهو يغير الدخل الموزع, يزيده أو ينقصه. والمعلوم أن الدخل هو الذي تتم بفضله إِعادة شراء الإِنتاج المتحقق. ويرى كينز أن تغيرات الدخل, وهي التي يرتكز عليها التوازن النهائي, تتوقف على قرار المستحدثين, وبوجه أدق تتوقف على الاستثمارات التي يقررون القيام بها, هذه الاستثمارات لها دور حاسم في الدخل القومي, فهي توجده وهي تكثِّره.

    الاستثمار يوجد الدخل وهو يؤدي إِلى الادخار:

    عندما ينمّي المستحدثون, ومنهم الدولة, استثماراتهم بتمويلها سواء بالادخار السابق, أو بطريقة الإِصدار الورقي, أي طريقة التضخم النقدي, فإِنهم يوزعون الأموال المتوافرة لديهم بمقابل شرائهم ما يحتاج إِليه الاستثمار من مواد أولية ويد عاملة وغيرها. وهم بهذا إِنما يزيدون دخل من يتلقى هذه الأموال كالتجار, والصناعيين, والزراعيين, والعمال, وبزيادة هذا الدخل يزيدون إِمكان الادخار لدى هؤلاء, فزيادة إِضافية في الاستثمار تؤدي – ما دامت البلاد لم تبلغ مستوى الاستخدام الكامل – إِلى وجود الادخار إِضافة إِلى تشغيل كمية من اليد العاملة التي كانت ستبقى عاطلة عن العمل.

    الاستثمار يوجد الإِنفاق (المضارِب أو المضاعِف):

    إِن الدخل الذي أوجده الاستثمار لن يقتصر على إِيجاد الادخار وإِنما سيؤدي إِلى زيادة الإِنفاق, لأن من تلقوه, ومنهم عمال عاطلون عن العمل, سوف يشترون به كميات إِضافية من الأرزاق والألبسة وغيرها, مما يؤدي إِلى زيادة دخل منتجي هذه السلع الذين سيقومون بزيادة إِنفاقهم وزيادة توفيرهم موجدين بذلك لدى آخرين دخلاً إِضافياً يؤدي إِلى زيادة الإِنفاق والادخار, وهكذا تتوسع الأمواج كما تتوسع الدوائر في بركة ماء بعد إِلقاء حجر فيها.

    إِن للاستثمار إِذن أثراً محدثاً للدخل, وله كذلك أثر في تكاثر الدخل, وهو ما يطلق عليه «المضارِب» أو «المضاعف». والمضاعف هو المعامل الذي يربط زيادة الإِنفاق والدخل. فهو يُفيد أنه عندما يحصل تغيير في مجموعة الاستثمار, فإِن الدخل يتغير في الاستثمار بمقدار (م) مرة.

    جوهر السياسة الكينزية في الاقتصاد:

    إِن السياسة الاقتصادية[ر] التي يقترحها كينز تقلب رأساً على عقب الأوضاع التي جاءت بها السياسات التقليدية. فالتقليديون مالوا في سياستهم إِلى تصنيف الأولويات كما يلي:

     أ ـ النقد والتمويل أولاً: فالاستقرار النقدي, وتحقيق التوازن في موارد الدولة وإِنفاقها, هما الشرطان الأساسيان للازدهار الاقتصادي.

    ب ـ الاقتصاد ثانياً: فالتطور الاقتصادي يجب أن يسير حراً وعفوياً بحيث تحقق آلية الأسعار التوازن فيه.

    ج ـ المسائل الاجتماعية أخيراً: فالتوزيع الأكبر يتطلب إِنتاجاً كبيراً.

    أما كينز فيحدد هذه الأولويات كما يلي:

    أ ـ المسائل الاجتماعية أولاً: فيجب تحقيق الاستخدام الكامل فهو برهان للصحة الاقتصادية وسبب لها.

    ب ـ الاقتصاد ثانياً: فمتى تحقق الاستخدام الكامل يتحقق الازدهار لتحقيق الارتفاع في الدخل القومي.

    ج ـ النقد والتمويل أخيراً: فلا خوف من التضحية بعد كل هذا بالاستقرار النقدي وموازنة الدولة.

    النقد الأساسي الموجه إِلى نظرية الادخار الكينزية:

    ينطلق النقد الموجه إِلى نظرية الادخار الكينزية من أن هذه النظرية وُضعت لمعالجة الأزمات الاقتصادية التي تنتاب الاقتصاد الرأسمالي دورياً, ونبهت إِلى أهمية إِجراءات الدولة الاقتصادية في هذا المجال بهدف تسريع الانتقال من مرحلة الكساد إِلى مرحلة الانتعاش والنهوض. فنمو الإِنتاج, يؤثر في مضاعفة الدخل القومي, وهذا له مفعول مضاعف: زيادة الاستثمار والتوسيع المطرد للإِنتاج وزيادة العمالة.

    إِلا أن هذه النظرية, على أهميتها في التخفيف من حدة تناقضات الاقتصاد الرأسمالي, فإِنها تبقي الجوهر الاجتماعي للرأسمالية خارج نطاقها, فهي تنظر إِلى المفهومات الاقتصادية على أنها مقادير رياضية ولا تكشف عن القوانين الاقتصادية الفعلية التي تكمن في أساسها, موضحة إِياها بمفهومات نفسية (ميول الناس), فلا يمكن تفسير تناسب الاستهلاك والدخل باختلاف الميول نحو الادخار, ففي الظروف الواقعية, إِذا كان المقصود الشغيلة, فإِن الادخار محدود بمستوى الأجر وفي الظروف الراهنة بالتضخم, أي ارتفاع الأسعار. وهنا تصطدم قدرة الرأسمالية على المضاعفة اللامحدودة للإِنتاج بمحدودية الإِمكان الاستهلاكي للمجتمع. أما فيما يتصل بادخار الرأسماليين, فإِن مقداره يتعلق بالإِمكان الفعلي للحصول على الربح من رأس المال المستثمر الذي يتحدد بظروف عملية الإِنتاج الموسع. ويمكن أن تكون ظاهرة المضاعف حقيقة إِلى حد ما فقط عندما تطبق على مرحلة من مراحل الدورة الرأسمالية هي مرحلة النهوض. ولكن كل توسيع لاحق على الطلب يسببه المضاعف إِنما يشدد من الإِخلال في التناسب بين مختلف جوانب عملية إِعادة الإِنتاج: بين النزوع نحو التوسيع اللامحدود للإِنتاج ومحدودية قدرة السكان على الطلب, بين الادخار والاستهلاك, بين مختلف فروع الإِنتاج, مما يؤدي في نهاية المطاف إِلى الركود ثم الأزمة.

    إِن تطبيق الحل الكينزي في البلدان المتخلفة معناه أن إِحداث زيادة في الإِنفاق الحكومي يجب أن يؤدي إِلى استخدام عوامل الإِنتاج العاطلة استخداماً يحد تدريجياً من بطالتها ويحقق في النهاية استخداماً كاملاً لها, تماماً كما يجب أن يتم في البلدان المتقدمة, ويؤدي – وهذا شيء ملازم للعملية – إِلى زيادة الدخل العام في نهاية المطاف.

    بيد أنه تساق الملاحظات التالية في هذا المجال:

    ـ إِن القطاع الزراعي في البلدان المتخلفة لا يستطيع أن يزيد حجم إِِِنتاجه بسهولة نتيجة ضعف مرونة إِنتاجه في الزمن القصير.

    ـ والقطاع الصناعي الذي يضم على العموم صناعات استهلاكية معروفة (نسيج, أحذية, مواد بناء…) يتصف بعدم وجود طاقة استخدام فائضة, حتى إِن أكثر البلدان المتخلفة تشكو من وجود إِشباع في مثل هذه الصناعات. وهذا يعني صعوبة زيادة العمالة وزيادة الإِنتاج في هذه الصناعات.

    ـ الزيادة التالية تتجه إِلى القطاعات الأخرى, أي إِلى القطاعات الخدمية بالدرجة الأولى. وهكذا تؤلف هذه القطاعات الخدمية النشاطات الديناميكية الوحيدة التي ينفتح بها غالباً هيكل الإِنتاج على العالم الخارجي المتقدم, ليتم عن طريقه نزفه (بتصدير المواد الأولية) واستنزافه (باستيراد فائض الإِنتاج الصناعي الخارجي).

    إِن هذا الاتجاه قد تأكد في تجارب كثيرة في البلدان المتخلفة التي استخدمت أسلوب التمويل التضخمي أو أسلوب التمويل بالعجز على نطاق واسع, إِذ وقعت اقتصادياتها في مزالق كبيرة وتعرضت للتضخم وعدم الاستقرار النقدي.

    القنوات الادخارية

    تقسم مصادر الادخار الداخلي إِلى مدخرات القطاع الحكومي, ومدخرات قطاع الأعمال, ومدخرات القطاع الأُسري, كما يمكن أن تُقسم مصادر الادخار إِلى الادخار العام والادخار الخاص.

    ويتألف الادخار العام من الادخار الحكومي, وهو الفرق بين الإِيرادات الجارية والنفقات الجارية للحكومة, وادخار القطاع العام وهو الادخار المتكوّن في المشروعات التي تتبع الحكومة.

    وتعدّ المصادر التالية من أهم مصادر الادخار العام: فائض المشروعات العامة, وأموال التأمين والمعاشات واشتراكات الضمان والتأمينات الاجتماعية, والمدخرات الخاصة لدى مؤسسات الادخار كصندوق توفير البريد وشهادات الاستثمار التي يصدرها مصرف التسليف الشعبي في سورية, والضرائب المباشرة وغير المباشرة بمختلف أنواعها, والقروض الداخلية والخارجية والتمويل التضخمي أو التمويل بالعجز بإِصدار نقد جديد من جانب الحكومة.

    ويتألف الادخار الخاص من الادخار في القطاع الأُسري والادخار في قطاع الأعمال.

    ويتحدد الادخار في القطاع الأُسري وفقاً للعوامل الرئيسية التالية:

    ـ حجم الدخل, إِذ من البديهي أن يكون صاحب الدخل الأكبر أكثر قدرة على ادخار قسم أكبر من دخله.

    ـ الاستهلاك الذي تحدده العوامل الموضوعية كالأسعار والسياسات والعوامل الذاتية كحب الظهور والتمتع بالقوة والجاه.

    ـ العادات والوعي والتقاليد.

    ـ الضرائب والأعباء الاجتماعية.

    وفي قطاع الأعمال يختلف تكوين الادخار بحسب نوع المنشآت, ففي المنشآت غير المساهمة كالمزارع ومحلات البيع بالمفرق والحرفيين العاملين لحسابهم الخاص, يتوقف تحديد الادخار على الصفات التنظيمية ونوع الحسابات التي تمسكها هذه المنشآت. أما في بقية المنشآت (الشركات) فيتألف الادخار من: احتياطيات الاهتلاكات, والاحتياطيات الإِجبارية, والاحتياطيات الاختيارية.

    ولا شك في أن لمستوى النشاط الاقتصادي العام وإِمكانات التوسع والسياسة الضريبية, بما فيها من إِعفاءات وميزات, أثراً كبيراً في تحديد حجم ادخارات قطاع الأعمال.

    دور الادخار في النشاط الاقتصادي

    لقد لمست معظم الدول أهمية المدخرات في دفع عجلة التنمية الاقتصادية واستمرارها ومن ثم استمرار التقدم والنشاط الاقتصادي وضمان الاستقرار, إِذ تعد المدخرات الوطنية الدعامة الأساسية للاستثمار, لذا عملت هذه الدول بمختلف مذاهبها السياسية على تنمية الوعي الادخاري بين أفرادها بشتى الطرق وجذب هذه المدخرات وتجميعها لاستخدامها في تمويل التنمية الاقتصادية بما يتفق وأهداف الدولة وبما يعود على المجتمع بالنفع العام.

    ولقد أظهر التطور الاقتصادي أن لصغار المدخرين أهمية كبيرة فيما يمكن أن يُحصل عليه من تجميع مدخراتهم التي تفوق في حالات كثيرة المدخرات التي تُجمع من القلة من ذوي الدخول الكبيرة ولا سيما بعد أن نمت الطبقة العاملة والفئات المتوسطة, من ناحية, وبعد أن ضغطت المطالب والنفقات المتزايدة للدولة, من ناحية أخرى. وإِذا كانت أهمية الادخار أساساً للاستثمار, سواء للفرد  أو للدولة أوضح ما تكون في الأحوال العادية, فإِنها أشد وضوحاً وأكثر إِلحاحاً في مراحل التنمية والتطور, إِذ تؤدي المدخرات خدمات جليلة للفرد وللدولة.

    ففيما يتصل بالفرد تهيئ هذه المدخرات عوامل الأمان للمستقبل, ذلك أنه بإِيداعها أو باستثمارها في أي من الأوعية الادخارية أو الاستثمارية يحصل منها على عائد مجز إِما أن ينفقه في مواجهة مطالبه المتزايدة وإِما أن يزيد به مدخراته واستثماراته. وتوجه الدولة هذه المدخرات إِلى الإِنفاق على مشروعات جديدة تزيد من دخول الأفراد وتفتح لهم آفاقاً جديدة وفرصاً أكبر للعمل والخدمة. وتؤدي المشروعات الجديدة إِلى توفير المزيد من السلع والخدمات للفرد وتتيح له الحصول عليها بأسعار أفضل.

    وفيما يتصل بالدولة فإِن المدخرات تخدمها في تحقيق ما يلي:

    ـ توفير التمويل المحلي المطلوب لمشروعات التنمية من دون اضطرار الدولة إِلى اللجوء لزيادة الضرائب ولوسائل التمويل التوسعية التي تؤدي إِلى زيادة حدة التضخم الذي يصاحب عادة الإِنفاق على برامج التنمية والذي تنعكس آثاره في الارتفاع المطرد للأسعار.

    ـ الحدّ من الضغوط التضخمية التي تصاحب الإِنفاق على خطط التنمية وذلك بامتصاص الزيادة في الدخول المترتبة على الزيادة في الإِنفاق في تكوين مدخرات جديدة.

    ـ الحدّ من الإِنفاق الاستهلاكي للأفراد بما يسمح بتوجيه المزيد من السلع للتصدير الأمر الذي يساعد الدولة في الحصول على القطع الأجنبي اللازم لمشروعات التنمية وتحقيق المزيد من الاستثمار الذي يعود على جميع أفراد المجتمع بالنفع العام من جهة, وتقليص الطلب على السلع المستوردة من جهة ثانية.

    ـ خفض النفقات التي تواجهها الدولة في توفير المزيد من السلع الاستهلاكية نتيجة زيادة الطلب عليها لزيادة دخول الأفراد وزيادة إِنفاقهم, ويساعد خفض هذه النفقات على توجيه الوفر المحقق إِلى إِنتاج المزيد من السلع والخدمات بدلاً من استيرادها.

    الادخار والتنمية الاقتصادية

    التنمية الاقتصادية, وسيلة لزيادة رفاهية الأفراد وتثبيت دعائم النهضة الاجتماعية والاستقلال السياسي, ترتكز على عملية تكوين رأس المال أو بناء الطاقات الإِنتاجية الجديدة ووضعها موضع الإِنتاج. ومن نافلة القول الحديث عن الحلقة المفرغة في عملية التنمية التي تعزو نقص التكوين الإِنتاجي إِلى قلة الادخار, وقلة الادخار إِلى انخفاض الدخل الفردي, وانخفاض الدخل الفردي إِلى انخفاض الدخل القومي وزيادة الضغط السكاني, وانخفاض الدخل القومي إِلى انخفاض الإِنتاجية وعدم استغلال الموارد الطبيعية الذي يعود إِلى نقص التكوين الإِنتاجي وقصوره عن تحقيق هذه الأغراض.

    وللقيام بعملية تكوين الطاقات الإِنتاجية الجديدة لا بد للمجتمع من تخصيص جزء من موارده المتمثلة في السلع والخدمات المنتجة لتحقيق هذه الغاية, وهذا في الواقع هو كنه عملية التكوين الإِنتاجي أو ما يسمى الوجه المادي لعملية تمويل التنمية.

    أما الوجه الآخر لعملية تمويل التنمية فهو وجهها النقدي الذي يتمثل في توفير الأموال النقدية اللازمة للحصول على السلع والخدمات الضرورية لعملية التكوين الإِنتاجي. وهذا يبين بوضوح أن النقد في عملية التكوين هذه إِنما يستمد دوره من كونه يمثل قوة شرائية تستطيع حيازة جزء من عوامل الإِنتاج لتوجيهها نحو تكوين الطاقات الإِنتاجية. ثم إِن المصدر الحقيقي للتكوين الإِنتاجي هو الادخار بوصفه امتناعاً عن استهلاك جزء من الناتج القومي بهدف تهيئته وتوجيهه لأغراض التكوين الإِنتاجي.

    الادخار في سورية

    أكدت سياسة القطر العربي السوري في المجال الاقتصادي ضرورة إِقامة تنمية سريعة ومتوازنة لتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومتواترة تسهم في رفع مستوى معيشة الشعب عن طريق تعبئة الموارد المحلية إِلى أبعد الحدود الممكنة.

    وعلى الرغم من هذا التأكيد وأهميته ما تزال الطاقة الادخارية الخاصة والعامة محدودة ولا تمثل إِلا جزءاً من الدخل الفردي التصرفي ومن الناتج المحلي الإِجمالي, مما يزيد الاعتماد على القروض والمساعدات الخارجية لتحقيق معدلات عالية للاستثمار في إِطار خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

    وتكتسب النقاط الرئيسية التالية أهمية خاصة في تحديد أسباب ضعف الطاقة الادخارية وقوتها في مجالات الادخار الأربعة في سورية.

    ـ ففي مجال الادخار الاختياري أو الخاص تكمن الأسباب الرئيسة في النواحي التالية: ضعف الوعي الادخاري, وانتشار ظاهرة الاكتناز لدى فئة واسعة من الشعب, وضعف المؤسسات الادخارية وحداثة عهدها, ذلك أن مؤسسات الادخار الجديدة, كصندوق توفير البريد وإِصدار شهادات الاستثمار من قبل مصرف التسليف الشعبي, قد نشأت وأخذت تتطور في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين.

    ـ وفي مجال مدخرات المؤسسات والشركات العامة: يشار في البداية هنا إِلى أنه نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي مر بها القطر العربي السوري منذ قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963, حتى اليوم أصبح للقطاع العام الدور الرئيس في تنفيذ السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية للدولة, وهو يؤلف العصب الحساس لمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, ويعدّ مصدراً مهماً من المصادر التي تعتمد عليها الدولة في تمويل مشروعات التنمية.

    ـ وفي نطاق الادخار التقاعدي: يتألف هذا النوع من المدخرات من حصيلة الاقتطاعات النسبية لرواتب العاملين والموظفين في الدولة لدى صناديق التأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية. ولهذا النوع من التأمين أهمية واضحة لاتساع مجاله.

    ـ وفي نطاق الادخار التأميني: ما يزال حجم هذا النوع من المدخرات متواضعاً في القطر العربي السوري, وذلك لحداثته النسبية بالمقارنة مع الدول الصناعية, ولكن له مكانته, مع ذلك, في الحديث عن الادخار.

    ـ وفي نطاق الادخار التعاوني: يلاحظ أن هذا النوع من الادخار قد بدأ في التوسع في القطر العربي السوري في مجال التعاون السكني.

    وأخيراً لا بد من الإِشارة إِلى التقدم الملموس الذي حققته بعض المؤسسات الادخارية في القطر العربي السوري في السنوات الأخيرة, فقد بلغت الحسابات الجديدة المفتوحة في صندوق توفير البريد في عام 1988 نحو 3548 حساباًَ وبلغ عدد عمليات الإِيداع 272292 عملية, إِذ بلغت حصيلة هذه العمليات 3730 مليون ليرة سورية في حين بلغ صافي قيمة الودائع 5و776 مليون ليرة سورية.

    وقد ازدادت حصيلة شهادات الاستثمار التي يصدرها مصرف التسليف الشعبي بمبلغ 4452 مليون ليرة سورية في عام 1988.

    ولكن الحقيقة هي أن الإِجراءات المتخذة في سورية من أجل تشجيع المدخرات الفردية لم تستطع بعد أن تحد من الاستهلاك الكلي.

    ويفسر هذا الوضع لجوء الدولة إِلى الموارد الاستثنائية وعجز الموازنة العامة للدولة وما إِلى ذلك. ويؤكد هذا كله ضرورة دعم الادخار العام بالدرجة الأولى مع استمرار السعي لتشجيع المدخرات الخاصة قدر الإِمكان.

http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=290&vid=

إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية  

د. أشرف محمد دوابه ،كلية المجتمع – جامعة الشارقة

 

ملخص

تعد الصكوك الإسلامية من أبرز منتجات الصناعة المالية الإسلامية ، وفي ظل التوجه العالمي نحو الصكوك الإسلامية تبرز أهمية الدور الملقى على عاتق الهندسة المالية الإسلامية للتعامل مع إشكالية مخاطر تلك الصكوك. وفي هذا الإطار يأتي هذا البحث الذي يسعى للتعرف على الصكوك الإسلامية من حيث مفهومها، وخصائصها وأنواعها، ومخاطرها، وأنواع تلك المخاطر ومصادرها، ووضع آليات لمعالجة تلك المخاطر اعتمادا على أدوات الهندسة المالية الإسلامية.

 

Abstract

Islamic Sukuk are considered as one of the main products of Islamic financial industry. Given the paramount importance of Sukuk all over the world ,The  Islamic financial engineering has to deal with the risk of these Sukuk. This research ,which comes out as result of this problem, aims at knowing and understanding Islamic Sukuk. It will look at their concept , characteristic, types ,risks and the types of these risks and their resources .The research will set up a mechanism for treating these risks depending on the tools of Islamic financial engineering .      

 

مقدمة :

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد :

تعد الصكوك الإسلامية من أبرز منتجات الصناعة المالية الإسلامية ، وقد شهدت تلك الصكوك نمواً استثنائياً في السنوات الست الأخيرة حتى أصبحت الشريحة الأسرع نمواً في سوق التمويل الإسلامي، حيث بلغت أحجام الإصدارات العالمية من الصكوك الإسلامية في نهاية العام 2007م مبلغ 97.3 مليار دولار، جاءت غالبيتها من ماليزيا والخليج العربي. وازداد حجم الإصدار الكلي للصكوك في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا بنسبة 71 في المائة ليبلغ 32.65 مليار دولار عام 2007م مقارنة بعام 2006م وارتفع عدد إصدارات الصكوك من 109 عام 2006م إلى 119 عام 2007م، بينما زاد متوسط حجم الصفقات من 175 مليون دولار عام 2006م إلى 269.8 مليار دولار عام 2007م ، حيث تم إصدار الحصة الأكبر من الصكوك في قطاع الخدمات المالية، وبلغت 31 في المائة من الحجم الإجمالي، تلتها العقارات بنسبة 25 في المائة ، والطاقة والخدمات بنسبة 12 في المائة. وفي الوقت نفسه عززت صكوك المشاركة مركزها كبنية الصكوك المهيمنة من ناحية حجم الإصدار، بإصدارات بلغت 12.9 مليار دولار، تلتها صكوك الإجارة بإصدارات بلغت 10.13 مليار دولار، لكن صفقات صكوك الإجارة المصدرة وصلت إلى 54 مقارنة بـ 22 إصدارا لصكوك المشاركة. ويتوقع أن يستمر النمو العالمي للصكوك بالزيادة بنسبة سنوية تقدر بـ 30 إلى 35 في المائة في عام 2008م ، ومن المرجح أن تكتسب الصكوك السيادية رواجاً مع إصدارات من اليابان، وتايلاند، والمملكة المتحدة[1].

والصكوك الإسلامية المصدرة لم تقتصر على مؤسسات الأعمال فقط بل امتدت لتشمل الحكومات، فعلى سبيل المثال قامت كل من ماليزيا والسودان بإصدار صكوك لتمويل الخزانة العامة ، ولم يقتصر إصدار الصكوك على الدول العربية والإسلامية فقط بل امتد إلى بعض البلدان الغربية، فعلى سبيل المثال قام ولاية ساكسوني- أنهالت Saxony Anhalt الألمانية بإصدار أول صكوك إسلامية في بلد غير مسلم فى عام 2004 م بقيمة 100 مليون يورو[2]. كما صدر العديد من الصكوك الإسلامية لشركات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة. وبالمثل، أصدر البنك الدولي في عام 2005 أول صكوك إسلامية مقومة بعملة محلية قيمتها760 مليون رينغيت ماليزي ( 200 مليون دولار أمريكي)، ومن المتوقع أن يزداد التوسع في سوق الصكوك الإسلامية مع ارتفاع الطلب وتوحيد معايير الأوراق المالية الإسلامية ليصل الحجم المتوقع لسوق الصكوك الإسلامية إلى أكثر من 150 مليار دولار أمريكي في العام 2010م[3] . وكل هذه الأرقام تعكس مدى التوجه العالمي نحو الصكوك الإسلامية، التي يقوم منهج عملها  على المشاركة في الغنم والغرم ، من خلال تحمل حامليها المخاطر مقابل استحقاق العائد، وهو منهج في حقيقته يحقق العدل بين أطراف التعامل.

مشكلة البحث :

يبرز التوجه العالمي نحو الصكوك الإسلامية مدى أهمية الدور الملقى على عاتق الهندسة المالية الإسلامية للتعامل مع إشكالية مخاطر تلك الصكوك سواء من خلال تجنبها أو توزيعها أو قبولها باعتبار أن المحافظة على المال وتنميته مقصد أساسي من مقاصد الاستثمار في الشريعة الإسلامية.

فروض البحث :

تأسيسا على مشكلة البحث فإن البحث يسعى إلى اختيار صحة الفرض التالي :

أدوات الهندسة المالية الإسلامية قادرة على التعامل مع مخاطر الصكوك الإسلامية من خلال تجنبها أو توزيعها أو قبولها.

أهداف البحث :

يهدف البحث إلى :

1- التعرف على الصكوك الإسلامية من حيث مفهومها ، وخصائصها ، وأنواعها.

2- التعرف على مخاطر الصكوك الإسلامية، وأنواع تلك المخاطر ومصادرها.

3- وضع آليات لمعالجة مخاطر الصكوك الإسلامية اعتمادا على أدوات الهندسة المالية الإسلامية.

أهمية البحث :

تبدو أهمية البحث من خلال تعرضه للصكوك الإسلامية بما تملكه من تنوع وتجدد وتطور وانتشار متنامي ومتسارع، والمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها ، ووضع آليات للتعامل مع تلك المخاطر بصورة تجمع بين الكفاءة الاقتصادية والمصداقية الشرعية.

منهج البحث :

من أجل اختبار فروض البحث وتحقيق أهدافه فقد اعتمد البحث على المنهجين التاليين :

1- المنهج الاستقرائي : وذلك من خلال استقراء المخاطر التي تتعرض لها الصكوك الإسلامية وتحديد مصادرها وأنواعها.

2- المنهج الاستنباطي : وذلك من خلال استنباط آليات لمعالجة مخاطر الصكوك الإسلامية اعتمادا على الهندسة المالية الإسلامية.

خطة البحث :

يتكون البحث من مقدمة وثلاثة مباحث يتبعهم خاتمة. يتناول المبحث الأول التعريف بالصكوك الإسلامية، ويتناول المبحث الثاني التعريف بمخاطر الصكوك الإسلامية، بينما يتناول المبحث الثالث والأخير آليات إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية، وينتهي البحث بخاتمة تتناول أهم ما توصل إليه، والله من وراء القصد، وهو سبحانه الموفق والمستعان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المبحث الأول : ماهية الصكوك الإسلامية

أولا / مفهوم الصكوك لغة :

الصكوك لغة جمع صك وصكوك وأصك وصكاك ، وصكه ضربه، ومنه قوله تعالى : )فصكت وجهها([4]، والصك : كتاب وهو فارسي معرب. أصله جك. ومن معانيه وثيقة اعتراف بالمال المقبوض ، أو ثيقة حق في ملك ونحوه. وكانت الأرزاق تسمى صكاكا لأنها تخرج مكتوبة ، فالصك هو الورقة ، والمراد هنا الورقة التي تخرج من ولى الأمر بالرزق لمستحقه بأن يكتب فيها للإنسان كذا وكذا من طعام أو غيره[5] .

ثانيا / مفهوم الصكوك الإسلامية اصطلاحا :

أطلقت المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية على الصكوك الإسلامية اسم (صكوك الاستثمار) تمييزا لها عن الأسهم وسندات القرض. وعرفتها بأنها : وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في ملكية موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أصدرت من أجله[6].

 وعرفها مجمع الفقه الإسلامي الدولي بأنها : أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس المال إلى حصص متساوية، وذلك بإصدار صكوك مالية برأس المال على أساس وحدات متساوية القيمة ، ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصا شائعة في رأس المال وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه[7].

ثالثا /  خصائص الصكوك الإسلامية :

بناء على المفهوم الاصطلاحي للصكوك الإسلامية يمكن القول أن أهم خصائص الصكوك الإسلامية تتمثل في الآتي :

1- تمثل وثائق متساوية القيمة.

2- تمثل ملكية حصص شائعة في موجودات لها دخل ولا تمثل دينا في ذمة مصدرها.

3- تقوم على المشاركة في الغنم والغرم.

4- نشاطها حلال من الناحية الشرعية.

رابعا / أنواع الصكوك الإسلامية :

نظرا لأن آلية إصدار الصكوك الإسلامية تتم وفق صيغ التمويل الإسلامية ، فإنه يمكن تصنيف تلك الصكوك إلى الآتي :[8]

1- صكوك الإجارة : وهى تمثل ملكية أعيان مؤجرة أو منافع أو خدمات ، وتنقسم إلى :

1/1- صكوك ملكية الموجودات المؤجرة :

هي وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك عين مؤجرة أو عين موعود باستئجارها، أو يصدرها وسيط مالي ينوب عن المالك بغرض بيعها واستيفاء ثمنها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح العين مملوكة لحملة الصكوك.

1/2- صكوك ملكية المنافع ، وتنقسم إلى :

أ- صكوك ملكية منافع الأعيان الموجودة : وهى نوعان :

أ/أ- وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك عين موجودة، أو عن طريق وسيط مالي ، بغرض إجارة منافعها واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها ، وتصبح منفعة العين مملوكة لحملة الصكوك.

أ/ب- وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك منفعة عين موجودة (مستأجر) بنفسه أو عن طريق وسيط مالي، بغرض إعادة إجارتها واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها ، وتصبح منفعة العين مملوكة لحملة الصكوك.

ب- صكوك ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة :

هي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها بغرض إجارة أعيان موصوفة في الذمة واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين الموصوفة في الذمة مملوكة لحملة الصكوك.

1/3- صكوك ملكية الخدمات ، وهى نوعان :

أ- صكوك ملكية الخدمات من طرف معين :

هي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها بغرض تقديم الخدمة من طرف معين (كمنفعة

التعليم من جامعة مسماة) واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح الخدمات مملوكة لحملة الصكوك.

 ب- صكوك ملكية الخدمات من طرف موصوف في الذمة :

هي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها بغرض تقديم الخدمة من مصدر موصوف في الذمة (كمنفعة التعليم من جامعة يتم تحديد مواصفاتها دون تسميتها) واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح الخدمات مملوكة لحملة الصكوك.

2-صكوك السلم :

هى وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لتحصيل رأس مال السلم ، وتصبح سلعة السلم مملوكة لحملة الصكوك.

3-صكوك الاستصناع :

هى وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تصنيع سلعة ، ويصبح المصنوع مملوكا لحملة الصكوك.

4-صكوك المرابحة :

هى وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لتمويل شراء سلعة المرابحة، وتصبح سلعة المرابحة مملوكة لحملة الصكوك.

5- صكوك المشاركة :

هي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لاستخدام حصيلتها في إنشاء مشروع ، أو تطوير مشروع قائم ، أو تمويل نشاط ، ويصبح المشروع أو موجودات النشاط ملكا لحملة الصكوك في حدود حصصهم ، وتدار الصكوك بتعيين أحد الشركاء أو غيرهم لإدارتها.

6- صكوك المضاربة :

هى وثائق متساوية القيمة تمثل مشروعات أو أنشطة تدار على أساس المضاربة الشرعية.

7-صكوك المزارعة :

هى وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تمويل مشروع على أساس المزارعة ، ويصبح لحملة الصكوك حصة في المحصول وفق ما حدده العقد.

8-صكوك المساقاة :

هى وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لاستخدام حصيلتها في سقي أشجار مثمرة والإنفاق عليها ورعايتها على أساس عقد المساقاة ، ويصبح لحملة الصكوك حصة من

المحصول وفق ما حدده العقد.

9-صكوك المغارسة :

هى وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لاستخدام حصيلتها في غرس أشجار وفيما يتطلبه هذا الغرس من أعمال ونفقات على أساس عقد المغارسة ، ويصبح لحملة الصكوك حصة في الأرض والغرس.

10- صكوك الوكالة:

هى وثائق متساوية القيمة تمثل مشروعات أو أنشطة تدار على أساس الوكالة بالاستثمار بتعيين وكيل عن حملة الصكوك لإدارتها.

المبحث الثاني : مخاطر الصكوك الإسلامية

أولا / مفهوم المخاطر :

تعد المخاطر أحد متغيري القرار الاستثماري باعتبار العائد المتغير الآخر ، والمخاطر بمفهومها الاصطلاحي الشرعي والاقتصادي لا تخرج عن مفهومها اللغوي فهي احتمال الخسارة أو التقلب في العائد المتوقع[9].

ثانيا / أنواع المخاطر:

يمكن تصنيف المخاطر  الكلية Total Risk إلى نوعين رئيسيين :

النوع الأول : المخاطر العامة: وتشير إلى ذلك الجزء من المخاطر الكلية الذي يمثل مخاطر منتظمة لا يمكن تجنبها بالتنويع Undiversifiable ، حيث تصيب هذه المخاطر عوائد كافة الأوراق المالية بصرف النظر عن المنشأة المصدرة لتلك الأوراق، لذا يطلق عليها تجاوزا مخاطر السوق Market Risk[10].

النوع الثاني : المخاطر الخاصة : وتشير إلى ذلك الجزء من المخاطر الكلية الذي يمثل مخاطر غير منتظمة يمكن تجنبها أو تخفيضها بالتنويع Diversifiable ، حيث ترجع هذه النوعية من المخاطر إلى ظروف المنشأة ، أو إلى ظروف الصناعة التي تنتمي إليها المنشأة Company Specific Risk.

ثالثا / قياس المخاطر :

تزداد المخاطر كلما زاد احتمال تشتت Variance  العائد عن قيمته المتوقعة ، ولقياس المخاطر يمكن قياس هذا التشتت كميا إما بالتباين ، أو بالانحراف المعياري Standard Deviation . ويقيس الانحراف المعياري الحجم المطلق للمخاطر التي ينطوي عليها الاستثمار ، لذا يسمى بالمقياس المطلق للمخاطر Absolute Measure of Risk.

وتجدر الإشارة إلى أن الانحراف المعياري لا يكون مقبولا لقياس المخاطر إلا في حالة واحدة فقط ، وذلك عندما تكون القيمة المتوقعة للتدفقات النقدية للاستثمارات المعروضة متساوية، أما في حالة عدم التساوي بينها فإن المناسب لقياس المخاطر هو معامل الاختلاف Coefficient of Variation باعتباره مقياس نسبي للمخاطرRelative Measure of Risk   [11].

رابعا / المخاطر والصكوك الإسلامية :

الصكوك الإسلامية باعتبارها تمثل موجودات تحتوى على خليط من النقود والديون والأعيان والمنافع، أو بعض هذه المكونات منفردة ، ونظرا لآليات إصدارها القائمة على صيغ التمويل الإسلامية ، فإنها تتعرض للمخاطر التي تتعرض لها المشروعات الاستثمارية الإسلامية، ومن خلال النظر إلى مصادر المخاطر بصفة عامة نجد أن الصكوك الإسلامية تتعرض للعديد من المخاطر الكلية ، والتي يتمثل مصدرها الأساسي فيما يلي :

1- مخاطر الائتمان Credit Risk:

ترجع هذه النوعية من المخاطر إلى عدم وفاء العميل بالتزاماته التعاقدية كاملة وفي مواعيدها، ومصدر هذه المخاطر قد يكون نتيجة سوء اختيار العميل ، سواء بعدم وفائه بالتزامات العمل المسند إليه بالنسبة لاستثمارات صكوك المشاركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والمغارسة والاستصناع ، أو عدم رغبته في استلام السلعة المشتراة ورجوعه عن وعده – في حالة اعتبار الوعد غير ملزم – في استثمارات صكوك المرابحة ، أو عدم رغبته في استلام السلعة المستصنعة في استثمارات صكوك الاستصناع – إذا كان عقد الاستصناع جائز غير ملزم – ، أو تأخير أو عدم سداد ما عليه من التزامات بالنسبة لاستثمارات صكوك المرابحة وصكوك الإجارة ، أو عدم الالتزام بتوريد السلع المتفق عليها وصفا وزمانا بالنسبة لاستثمارات صكوك السلم .

فهذه المخاطر ترجع إلى عدم كفاءة العميل أو إلى سوء سمعته وعدم رغبته في السداد ، أو إلى عدم قدرته على السداد، وهذا كله يقع في الأساس على عاتق المنشأة مصدرة الصكوك والمانحة الائتمان للعميل، ويؤثر سلبا على عوائدها ، لذا فإن هذه المخاطر تدخل ضمن المخاطر الخاصة.

2- مخاطر السوق  Market Risk:

وهذه المخاطر تندرج تحت المخاطر العامة حيث ترجع لاتجاهات الصعود والنزول التي تطرأ على الأسواق لعوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، سواء أكانت أسواق الأصول الحقيقية، أو الأسواق المالية والتي تتكون بدورها من  أسوق النقد، وأسواق رأس المال بسوقيها : سوق الإصدار وسوق التداول.

2/1- مخاطر سوق الأصول الحقيقيةReal Assets Market Risk ِ :

وهذه المخاطر مرتبطة بطبيعة الصكوك الإسلامية من حيث كونها تمثل حصة شائعة في ملكية أصول، ونظرا لأن الأصول الحقيقية من سلع وخدمات تباع في الأسواق، فإنها قد تتعرض للنقص في قيمتها بفعل عوامل العرض والطلب ، أو السياسات الاقتصادية الحكومية وغيرها من عوامل السوق.

2/2- مخاطر سوق المال  Capital Market Risk :

ويمكن تصنيف تلك المخاطر وفقا لما يلي :

2/2/1-  مخاطر سعر الصرف  Exchange Rate Risk :

وتنشأ هذه المخاطر في سوق النقد نتيجة لتقلبات سعر صرف العملات في المعاملات الآجلة. ففي حالة شراء سلع بعملة أجنبية وانخفاض سعر تلك العملة فإن ذلك يترتب عليه خسائر بمقدار انخفاض سعر العملة الأجنبية مقابل العملات الأخرى ، كما أن مخاطر سعر الصرف تظهر أيضا عند إصدار الصكوك بعملة معينة واستثمار حصيلتها بعملات أخرى، أو إذا كانت المنشأة المصدرة للصكوك تحتفظ بمواقع مفتوحة تجاه بعض العملات الأجنبية أو التزامات الدفع خاصة في عمليات المرابحات والتجارة الدولية.

2/2/2- مخاطر سعر الفائدة Interest Rate Risk :

وتنشأ هذه المخاطر نتيجة للتغيرات في مستوى أسعار الفائدة في السوق بصفة عامة، وهى تصيب كافة الاستثمارات بغض النظر عن طبيعة وظروف الاستثمار ذاته. وكقاعدة عامة فإنه مع بقاء العوامل الأخرى على حالها ، كلما ارتفعت مستويات أسعار الفائدة في السوق، انخفضت القيمة السوقية للأوراق المالية المتداولة والعكس صحيح ، وهو ما يؤثر على معدل العائد على الاستثمار[12].

والصكوك الإسلامية وإن كان لا مجال لسعر الفائدة في التعامل بها ، أو في أنشطتها ومجالات استثماراتها، إلا أنها قد تتأثر بسعر الفائدة إذا اتخذته سعرا مرجعيا في التمويل بالمرابحة. كما أن سعر الفائدة باعتباره آلية يقوم عليه – للأسف الشديد- النظام النقدي والمصرفي في غالبية الدول الإسلامية، فإنه بلا شك يؤثر على الصكوك الإسلامية، خاصة إذا لم يكن للوازع الديني دورا في توجيه المستثمرين، وتحجج بعضهم بشذوذ الفتيا التي أباحت سعر الفائدة خلافا لإجماع الفقهاء[13].

2/2/3- مخاطر أسعار الأوراق المالية Securities Rates Risk :

وتنشأ هذه المخاطر نتيجة لتقلبات أسعار الأوراق المالية في أسواق رأس المال سواء كانت هذه التقلبات بفعل عوامل حقيقية ، أو عوامل مصطنعة وغير أخلاقية كالإشاعات والاحتكار والمقامرة وعمليات الإحراج والبيع والشراء الصوري ونحو ذلك، وهو ما يؤثر على القيمة السوقية للصكوك الإسلامية.

2/2/4- مخاطر التضخم  Inflation Risk :

وتنشأ هذه المخاطر نتيجة لانخفاض القوة الشرائية للنقود بارتفاع الأسعار ، وهو ما يعني تعرض الأموال المستثمرة لانخفاض في قيمتها الحقيقية. والصكوك الإسلامية باعتبارها ذات عائد متغير، وذات مكونات من نقود وديون وأعيان ومنافع فإن تأثرها بالتضخم يرتبط طرديا بزيادة مكوناتها من النقود والديون.

3- مخاطر التشغيل Operation Risk:

وتنشأ هذه المخاطر نتيجة أخطاء بشرية أو فنية أو حوادث، وتندرج هذه المخاطر تحت المخاطر العامة إذا كانت بفعل عوامل خارجية كالكوارث الطبيعية ، مثل ما تسببه الكوارث أو الحوادث في هلاك الزرع في استثمارات صكوك المزارعة أو هلاك الأصل المؤجر في استثمارات صكوك الإجارة ونحو ذلك.

وتندرج هذه المخاطر تحت المخاطر الخاصة إذا كانت بفعل عوامل داخلية كعدم كفاية التجهيزات أو وسائل التقنية أو الموارد البشرية المؤهلة والمدربة، أو فساد الذمم، أو عدم توافر الأهلية الإدارية (أي الكفاءة الإدارية) القادرة على القيام بمهام الوكالة عن الملاك وتحقيق الأرباح مع نموها واستقرارها مستقبلا ، والمحافظة على المركز التنافسي للصكوك ونحو ذلك، أو من خلال صورية أو ضعف الرقابة الشرعية مما يؤثر سلبا في ثقة المتعاملين، وسمعة المنشأة لديهم،  وهو الأمر الذي من شأنه أن يترك آثارا على القيمة السوقية للصكوك الإسلامية.

4- مخاطر المخالفات الشرعية :

وهذه المخاطر تندرج تحت المخاطر الخاصة ، حيث ترجع إلى استخدام أموال الصكوك في محرمات سواء أكانت محرمات لعينها كالسلع والخدمات المحرمة ، أو محرمات لكسبها كالربا ، والقمار ، والغش ، والتدليس ، والخديعة ، والخيانة … الخ.

المبحث الثالث : آليات إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية

أولا / مفهوم إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية :

ينظر لإدارة المخاطر على أنها منهج أو مدخل علمي للتعامل مع المخاطر البحتة عن طريق توقع الخسائر العارضة المحتملة ، وتصميم وتنفيذ إجراءات من شأنها أن تقلل إمكانية حدوث الخسارة أو الأثر المالي للخسائر التي تقع إلى الحد الأدنى[14].

والاستثمار في الإسلام يقوم على المخاطرة من خلال المشاركة في الغنم والغرم، بخلاف المقامرة التي حرمها الإسلام، والتي تقوم على تحقيق مغنم لطرف على حساب تحقيق مغرم للطرف الآخر. ويعكس ذلك ابن قيم الجوزية بقوله : “المخاطرة مخاطرتان : مخاطرة التجارة، وهو أن يشترى السلعة بقصد أن يبيعها ويربح ويتوكل على الله في ذلك، والخطر الثاني الميسر الذي يتضمن أكل المال بالباطل فهذا الذي حرمه الله ورسوله”[15].

 والإسلام يحث على الأخذ بالأسباب في التعامل مع المخاطر ، ومن ثم يتعين على المنشآت المالية وضع آليات للتعامل مع ما يواجهها من مخاطر بعد تحديدها ، سواء بتجنبها إذا كان ذلك ممكنا، أو توزيعها، أما المخاطر التي لا يمكن التخلص منها فينبغي قبولها وتحملها والتعايش معها من خلال حسن إدارتها. 

ثانيا / خطوات إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية:

يتطلب المنهج العلمي في إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية القيام بالخطوات الآتية :

  1. 1.   تحديد المخاطر :

أولى الخطوات في إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية هو تحديد نوعية المخاطر التي يتوقع أن تتعرض لها الصكوك الإسلامية سواء أكانت مخاطر عامة أم مخاطر خاصة، وكذلك تحديد مصدر تلك المخاطر سواء أكانت مخاطر ائتمان أو مخاطر سوق من مخاطر سلع وخدمات وسعر صرف وسعر فائدة وتضخم ، أو مخاطر تشغيل ، أو مخاطر مخالفات شرعية، والوقوف على أسباب تلك المخاطر. مع ملاحظة أهمية أن تكون عملية تحديد المخاطر عملية مستمرة ، مع تفهم المخاطر على مستوى كل عمل استثماري ، وعلى مستوى المنشأة ككل.

2- تقييم المخاطر :

يستخدم تقييم المخاطر كأداة تخطيط ويجب أن يعطي صورة شاملة عن
المخاطر
[16] . فبعد تحديد مخاطر الصكوك الإسلامية ينبغي القيام بقياسها وتقييمها للوقوف على احتمالات الخسارة، مع ترتيبها وفقا لجسامتها، من حيث كونها مخاطر مرتفعة High Risk، أو متوسطة Moderate Risk، أو ضعيفة Low Risk، لاتخاذ التدابير اللازمة للتعامل معها.

3- دراسة واختيار البدائل المناسبة للتعامل مع المخاطر  :

وذلك من خلال دراسة البدائل اللازمة للتعامل مع كل نوع من أنواع مخاطر الصكوك الإسلامية ، واتخاذ القرار اللازم باختيار البديل المناسب سواء بتجنب تلك المخاطر ، أو توزيعها ، أو قبولها والتعامل معها خاصة في حالة وجود إدارة جيدة لإدارة المخاطر، وعلى أية حال فإن المقارنة بين المنافع والتكاليف من جراء تلك المخاطر هو المعيار الملائم في إتباع الأسلوب المناسب في التعامل مع المخاطر، فينبغي أن تفوق المنافع التكاليف المترتبة على مخاطر

الصكوك الإسلامية.

4- تنفيذ القرار :

وذلك من خلال وضع الآليات اللازمة لتنفيذ البديل الملائم للتعامل مع المخاطر موضع التنفيذ.

 ثالثا / آليات إدارة المخاطر للصكوك الإسلامية :

       تتعدد وتتنوع آليات إدارة المخاطر للصكوك الإسلامية، لتشمل ما يلي :

1- دراسة الجدوى :

تعتبر دراسة جدوى المشروعات التي تتوجه إليها أموال حصيلة الصكوك من الأهمية بمكان لتخفيض بل وتجنب المخاطر قدر الإمكان، حيث إن تقويم جدوى المشروع من منظور إسلامي يحكمه ما يمكن تسميته “الربحية الإسلامية” من خلال توجيه التمويل نحو المشروعات الملتزمة بالمشروعية الإسلامية من حيث النشاط الحلال ، فضلا عن الكفاءة الاقتصادية لتحقيق التخصيص الأمثل للموارد من خلال حفظ المال وتنميته، ومراعاة الأولويات الإسلامية في الاستثمار وفقا للضروريات والحاجيات والتحسينات، وديمومة متابعة العملاء ، بالإضافة إلى الكفاءة الاجتماعية وما تتضمنه من مسئولية اجتماعية للتمويل وتحقيق صافي منافع اجتماعية تعود على المجتمع بالنفع والخير ، والالتزام بالأخلاقيات الإسلامية[17]، وكل هذا من شأنه أن يسهم في تخفيض مخاطر الصكوك الإسلامية بصفة عامة.    

2- كفاءة الإدارة والرقابة عليها :

تعتبر كفاءة إدارة الصكوك الإسلامية سر ربحيتها ونموها ، وبقدر كفاءة الإدارة بقدر ما تجمع تلك الصكوك بين معضلات الربحية والسيولة والأمان فضلا عن مراعاة الاعتبارات الأخلاقية والمسئوليات الاجتماعية، وقد حث الإسلام على أن يجمع المدير بين الجوانب الأخلاقية والفنية، قال تعالى : ) اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ( [18]،  كما حث على حسن اختيار الشركاء والمضاربين والعاملين من ذوي الكفاءة والمهارة والمشهود لهم بالأخلاق الطيبة يقول تعالى :  )إن خير من استأجرت القوى الأمين([19].

كما أن من عوامل تخفيض المخاطر إعطاء الحق لحملة الصكوك في مراقبة الإدارة من خلال جمعية عامة تمثلهم مع مراعاة أنه في صكوك المضاربة لا يجوز لحملة الصكوك التدخل في الإدارة وإن كان من حقهم متابعة تصرفات المضارب للتأكد من التزامه بشروط المضاربة، ومن خلال هذا وذاك يمكن تجنب مخاطر المخالفات الشرعية وتخفيض المخاطر الائتمانية والتشغيلية. 

3- الضمانات :

تتعدد أنواع الضمانات في الفكر الاقتصادي الإسلامي، والتي من خلالها يمكن التعامل مع مخاطر الصكوك الإسلامية ، ومن أهم هذه الضمانات ما يلي :

3/1- الكفالة :

وذلك من خلال التزام طرف بتحمل عب عن طرف آخر على سبيل التبرع، وكفالة الشخص المليء ذو الخلق الحسن وسيلة ناجعة في تخفيض مخاطر توظيف حصيلة الصكوك الإسلامية ، خاصة المخاطر الائتمانية ومخاطر المخالفات الشرعية ، ومخاطر الأصول وعوائدها.

3/2- الرهن :

يعد الرهن آلية من آليات الحماية ضد المخاطر خاصة المخاطر الائتمانية ، فللدائن أن يشترط على المدين تفويضه ببيع الرهن عند حلول أجل الدين للاستيفاء من ثمنه دون الرجوع إلى القضاء[20].

ويشترط في المرهون أن يكون مالا متقوما يجوز تملكه وبيعه، وأن يكون معينا بالإشارة أو التسمية أو الوصف وأن يكون مقدور التسليم ، ويجوز رهن المشاع مع تحديد النسبة المرهونة منه[21]. مع مراعاة أن الضمان سواء أكان كفالة أم رهنا لا يمكن الرجوع عليه في عقود الأمانة كما في استثمارات صكوك الوكالة أو المضاربة أو المشاركة إلا إذا تم تعدى أو تقصير أو مخالفة للشروط من قبل الوكيل أو المضارب أو المشارك. وقد جاء بقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بذات الخصوص بشأن سندات المقارضة وسندات الاستثمار : “لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المضاربة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإذا وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل”[22]

 3/3- ضمان الطرف الثالث :

إذا كان من المتفق عليه شرعا أنه لا يجوز للجهة المصدرة لصكوك المضاربة أو المشاركة أو

 الوكالة أن تضمن القيمة الاسمية لحامليها لأن هذا من قبيل ضمان رأس المال لأن اليد يد أمانة فإنه لا مانع شرعا من أن يضمن طرف ثالث مستقل عن الإدارة وحملة الصكوك القيمة

الاسمية لصكوك المضاربة.

وهذا الضمان – وتسميته ضمانا مجاز لأنه ليس كفالة عن ديون – هو في الواقع تعهد ملزم بتقديم هبه تعادل قيمة الأصول الاسمية في حال تعرضها للهلاك مهما كان سببه. أي حتى لو كان ناشئا عن التعدي والتقصير من المدير إذا لم يتمكن حملة الصكوك من إلزامه بالتعويض لأن هذا الإلزام له الأولوية فهو حكم شرعي. أما التعهد فهو التزام عقدي مشروع أيضا[23]. وقد جاء بقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بذات الخصوص بشأن سندات المقارضة وسندات الاستثمار : “ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين وعلى أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة ، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة، أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به، بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد”[24]. كما جاء بالمعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة : “يجوز تعهد طرف ثالث غير المضارب أو وكيل الاستثمار وغير أحد الشركاء بالتبرع للتعويض عن الخسارة دون ربط بين هذا التعهد وبين عقد التمويل بالمضاربة، أو عقد الوكالة بالاستثمار”[25].

فيجوز إيجاد متعهد باسترداد الصكوك فإذا كان المتعهد جهة مختلفة عن جهة الإدارة فإنه يجوز التعهد برد القيمة الاسمية للصك إما من خلال تعهد ملزم أو بالاتفاق. أما إذا كان المتعهد بالاسترداد هو الجهة المديرة فلا يجوز التعهد منها بالاسترداد إلا بالقيمة السوقية التي قد تزيد أو تنقص عن القيمة الاسمية … كما أنه يجوز أن يتعهد المستأجر في صكوك التأجير بشرائها بالقيمة الاسمية أو بما يتم الاتفاق عليه وذلك يحقق ضمان أصول الصكوك ما دامت الصكوك قائمة … وما يتعلق بضمان الطرف الثالث لأصول الصكوك يصلح لإيجاد الضمان

لعائد ثابت للصك لأنه يستند إلى المبدأ نفسه[26] ، وهو ما يحقق الضمان للأصول وعوائدها.

 

4-  التأمين التعاوني :

في ظل تواجد مؤسسات التأمين التعاوني ، فإن هذا التأمين يعد آلية من الآليات الإسلامية للحماية ضد مخاطر الصكوك الإسلامية خاصة المخاطر الائتمانية ، ومخاطر الأصول، حيث من خلاله يمكن التأمين على الأصول الاستثمارية ضد كافة مخاطر تلك الأصول.

5- الاحتياطيات :

تعتبر آلية تكوين الاحتياطيات من الآليات التي تصلح للتعامل مع كافة مخاطر الصكوك الإسلامية، وتكوين تلك الاحتياطيات رهبن بتحقيق أرباح ، فيمكن تكوين احتياطي معدل الأرباح من دخل أموال المضاربة قبل اقتطاع نصيب المضارب بغرض المحافظة على مستوى معين من عائد الصكوك ، كما يمكن تكوين احتياطي مخاطر الاستثمار وذلك باقتطاع جزء من أرباح حملة الصكوك بعد اقتطاع نصيب المضارب لغرض الحماية من الخسارة المستقبلية التي قد تتعرض لها الصكوك[27]. وقد جاء بقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بذات الخصوص بشأن سندات المقارضة وسندات الاستثمار : “ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة  إما من حصة حملة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري ، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال”[28].

6- التحوط Hedging

تقوم تلك الآلية على حماية استثمارات الصكوك الإسلامية من التقلبات خاصة في أسواق الأصول والأسواق المالية ويمكن اعتماد تلك الآلية ضد المخاطر شريطة أن لا يؤخر البدلين الثمن والمثمن حتى لا يكون ذلك من بيع الكالئ بالكالئ المحرم شرعا. فيمكن التحوط من خلال عقد السلم بشروطه الشرعية التي تشترط أن يكون المبيع معينا في مقداره وأوصافه على أن يدفع الثمن بحد أقصى ثلاثة أيام وفقا لرأي المالكية[29] ، كما يمكن التحوط من خلال البيع الآجل الذي يؤخر فيه الثمن ويعجل المثمون.

ولا ينبغي شرعنة المشتقات المالية من عقود آجلة ومستقبلية وخيارات وعقود مبادلة بصورتها المطبقة حاليا في أسواق المال الغربية بحجج ما أنزل الله بها من سلطان ، فمنهج عملها يقوم على تسوية المراكز دون تسليم ولا قبض للسلع ولا دفع للثمن ، وهدفها هو نقل المخاطر بصورة تحقق منافع لطرف وضرر للطرف الآخر  حتى أصبحت بحق مصدرا للمتاجرة في المخاطر ومرتعا للقمار باعتراف العديد من الكتاب الغربيين أنفسهم وفي مقدمتهم رائد الإدارة الحديثة الكاتب النمساوي “بيتر داركر”[30].

كما أنه يمكن استخدام الخيار الشرعي في التحوط ضد مخاطر عدم الوفاء بالوعد من قبل مشتري السلعة بالمرابحة من خلال الاتفاق مع البائع على مدة خيار معلومة  للسلعة عند شرائها، وهو ما يعرف بخيار الشرط طالت تلك المدة أم قصرت ، وكذلك التحوط من سعر الفائدة من خلال اتخاذ معيار عائد الفرصة البديلة أو معدل العائد على الاستثمار للسلع المشابهة مؤشرا في تحديد عائد المرابحة.

كما يمكن التحوط ضد مخاطر سعر الصرف من خلال العمل على توحيد عملة التوظيف مع عملة إصدار الصكوك قدر الإمكان، واختيار العملات المستقرة للتعامل، وكذلك “إجراء قروض متبادلة بعملات مختلفة بدون أخذ فائدة أو إعطائها شريطة عدم الربط بين القرضين، وشراء بضائع أو إبرام عمليات مرابحة بنفس العملة، ويجوز الاتفاق مع العملاء عند الوفاء بأقساط العمليات المؤجلة كالمرابحة على سدادها بعملة أخرى بسعر يوم الوفاء”[31].

7- التنويع diversification:

وتقوم تلك الآلية على تنويع استمارات الصكوك الإسلامية من أجل تخفيض درجة المخاطر دون أن يترتب على ذلك تأثير سلبيا على العائد وهو ما يعرف بالتنويع الكفء. وتوجد أسس مختلفة للتنويع من أهمها تنويع جهة الإصدار ، وتنويع تواريخ الاستحقاق، والتنويع القطاعي، والتنويع الدولي.

7/1- تنويع جهة الإصدار :

وذلك بتنويع جهات الإصدار ، ويوجد أسلوبان شائعان في هذا الصدد هما :

أ- التنويع البسيط أو الساذج Simple or Naive Diversification :

ويتلخص مفهومه في المثل القائل “لا تضع كل ما تملكه من بيض في سلة واحدة”Not Putting All Egges in one Basket ” ، أو عليك بنشر المخاطر  Spread the Risk.

ويعتمد التنويع الساذج علي تنويع جهات الإصدار مع عدم المغالاة  في ذلك لما له من العديد من العيوب التي يأتي في مقدمتها صعوبة إدارة الاستثمارات ، وارتفاع تكلفة البحث عن استثمارات جديدة ، واحتمال اتخاذ قرارات استثمارية غير سليمة ، وارتفاع متوسط تكاليف الشراء.

ب – تنويع ماركوتز :

يقوم تنويع ماركوتز  Markowitz على فكرة أساسية مؤداها أن المخاطر  لا تتوقف فقط على مخاطر الاستثمارات ، بل تتوقف كذلك على العلاقة التي تربط عوائد تلك الاستثمارات[32] ، وهذا يعني ضرورة الاختيار الدقيق للاستثمارات التي تتوجه إليها حصيلة الصكوك ، وذلك بمراعاة طبيعة الارتباط بين العوائد المتولدة عنها ، فعندما تكون  هناك علاقة طردية بين عوائد استثمارات الصكوك فإن المخاطر التي تتعرض لها تكون أكبر مما لو كانت تلك العوائد مستقلة لا ارتباط بينها ، أو توجد بينها علاقة عكسية، وهذا الأسلوب في التنويع قد ينجح ليس فقط في التخلص من المخاطر الخاصة بل والتخلص من جزء من المخاطر العامة.

7/2- تنويع تواريخ الاستحقاق :

الصكوك الإسلامية قد تصدر لفترات قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأجل ، ويهدف هذا التنويع إلى مواجهة مخاطر التضخم  باعتبار أن الصكوك ذات الآجال الطويلة أكثر عرضة للتعرض للتضخم عن الصكوك ذات الآجال القصيرة ، وإن كانت الصكوك الإسلامية أقل عرضة للتعرض لمخاطر التضخم قياسا بالصكوك التقليدية نظرا لطبيعة مكوناتها وقيامها على المشاركة في الغنم والغرم.

7/3- التنويع القطاعي:

يهدف هذا التنويع إلى تخفيض المخاطر الخاصة بالصكوك الإسلامية بناء على المبدأ الذي يشير إلى أن رد فعل القطاعات الاقتصادية يختلف تبعا للدورات الاقتصادية ، والتنويع الجيد يجب أن يترجم في صورة ارتباط بين الصكوك الإسلامية والسوق بصفة عامة. ومن ثم فإن تنوع إصدار الصكوك الإسلامية ليمتد لكافة قطاعات النشاط الاقتصادي هو أمر ينوع من المخاطر ويقي من صدماتها.

7/4- التنويع الدولي :

يهدف التنويع الدولي إلى تخفيض المخاطر العامة، ومع تطور أسواق المال العالمية أصبح التنويع أكثر سهولة، فيمكن للمنشآت المالية إصدار صكوك إسلامية في أكثر من دولة إسلامية وبنفس عملة كل دولة ، وهو ما يسهم أيضا في التحوط ضد مخاطر أسعار الصرف.

خاتمة :

وبعد فقد تناول هذا البحث دراسة لإدارة مخاطر الصكوك الإسلامية، وقد تعرض البحث للصكوك الإسلامية من حيث مفهومها اللغوي والاصطلاحي، وتناول خصائصها، وأنواعها ، ومخاطرها، وآليات إدارة تلك المخاطر. وقد خلص البحث إلى مجموعة من النتائج والتوصيات.

  أولا / النتائج :

خلص البحث إلى مجموعة من النتائج من أهمها ما يلي :

1- تتنوع الصكوك الإسلامية ما بين صكوك إجارة ، وسلم ، واستصناع ، ومرابحة ، ومشاركة،  ومضاربة ، ومزارعة ، ومساقاة ، ومغارسة ، ووكالة.

2- تعد مخاطر الصكوك الإسلامية أحد متغيري القرار الاستثماري باعتبار العائد المتغير الآخر، والمخاطر بمفهومها الاصطلاحي الشرعي والاقتصادي لا تخرج عن مفهومها اللغوي فهي احتمال الخسارة أو التقلب في العائد المتوقع.

3- يمكن تصنيف المخاطر الكلية إلى نوعين رئيسيين هما: المخاطر العامة: وتشير إلى ذلك الجزء من المخاطر الكلية الذي يمثل مخاطر منتظمة لا يمكن تجنبها بالتنويع ، لذا يطلق عليها تجاوزا مخاطر السوق، والمخاطر الخاصة : وتشير إلى ذلك الجزء من المخاطر الكلية الذي يمثل مخاطر غير منتظمة يمكن تجنبها أو تخفيضها بالتنويع ، حيث ترجع هذه النوعية من المخاطر إلى ظروف المنشأة ، أو إلى ظروف الصناعة التي تنتمي إليها المنشأة

4- الصكوك الإسلامية باعتبارها تمثل موجودات تحتوى على خليط من النقود والديون والأعيان والمنافع، أو بعض هذه المكونات منفردة ، ونظرا لآليات إصدارها القائمة على صيغ التمويل الإسلامية ، فإنها تتعرض للمخاطر التي تتعرض لها المشروعات الاستثمارية الإسلامية.

5- تتعرض الصكوك الإسلامية للعديد من المخاطر الكلية ، والتي يتمثل مصدرها الأساسي في : مخاطر الائتمان ، ومخاطر التشغيل ، ومخاطر المخالفات الشرعية، ومخاطر السوق بما تتضمنه من مخاطر سوق الأصول ، ومخاطر سوق المال التي تشمل مخاطر سعر الصرف ، ومخاطر سعر الفائدة ، ومخاطر أسعار الأوراق المالية ، ومخاطر التضخم .

6- ينظر الإسلام للمخاطر باعتبارها من مقومات المنهج الاستثماري الإسلامي حيث من مسلماته المشاركة في الغنم والغرم. ونظرة الإسلام للمخاطر لا تحول دون وضع منهج علمي للتعامل مع المخاطر من خلال عدد من الخطوات بمقتضاها يتم تحديد مخاطر الصكوك الإسلامية ، ثم تقييمها، ثم دراسة واختيار البدائل المناسبة للتعامل مع المخاطر ، ثم تنفيذ القرار اعتمادا على العديد من آليات الهندسة المالية الإسلامية التي تهدف إلى تجنب المخاطر أو توزيعها أو قبولها .

7- تتعدد آليات الهندسة المالية الإسلامية لإدارة مخاطر الصكوك الإسلامية ، ومن هذه الآليات دراسة الجدوى، وكفاءة الإدارة والرقابة عليها، والضمانات بما تتضمنه من الكفالة والرهن وضمان الطرف الثالث، كما أن من هذه الآليات أيضا التأمين التعاوني ، والاحتياطيات ، والتحوط وفي مقدمة ذلك استخدام عقد السلم بشروطه الشرعية والخيار الشرعي، وكذلك من هذه الآليات التنويع سواء أكان متعلقا بتنويع جهة الإصدار أو تنويع تواريخ الاستحقاق، أو التنويع القطاعي ، أو التنويع الدولي.

8- يملك الإسلام من وسائل التعامل مع المخاطر ما يحقق العدل لأطراف التعامل وليس تحقيق مغنم لطرف على حساب مغرم لطرف آخر، كما هو الحال في أدوات التحوط الغربية المعاصرة من بدع المشتقات المالية التي تقوم على بيع الدين بالدين المنهي عنه شرعا ، ففيها لا يتم تسليم ولا تسلم ولا قبض للسلع أو الثمن ويؤخر فيها كلا العوضين الثمن والمثمن.

ثانيا / التوصيات :

في ضوء ما أسفر عنه هذا البحث من نتائج يمكن تقديم مجموعة من التوصيات بما قد يسهم في كفاءة إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية.

1- مراعاة المؤسسات المالية الإسلامية المصدرة للصكوك الإسلامية الضوابط الشرعية لإصدار وتداول تلك الصكوك ، فذلك صمام الأمان لحسن إدارة مخاطر تلك الصكوك.

2- لا مجال لشرعنة المشتقات المالية لإدارة مخاطر الصكوك الإسلامية، فتلك المشتقات تقوم أساسا على الاتجار في المخاطر ، وفي الحلال ما يغنى عن الوقوع في الحرام، بل وحتى عن الوقوع في الشبهات.

3- الاستفادة من تجارب الآخرين لابتكار أدوات مالية لإدارة المخاطر على أن لا تحل حراما أو تحرم حلالا ، وتجمع بحق بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية.

4- دعوة المؤسسات المالية الإسلامية للاهتمام بالبحث العلمي الذي يجمع بين الفقه التنظيري والفقه الميداني على المستويين الشرعي والاقتصادي لابتكار أدوات مالية تعزز من الهندسة المالية الإسلامية في إدارة المخاطر ، لاسيما مخاطر الصكوك الإسلامية.

 

المراجـع

أولا / المراجع العربية :

1-            القرآن الكريم.

2-    ابن رشد الحفيد : أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ، ” بداية المجتهد ونهاية المقتصد ” ، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، 1983 .

3- ابن قيم الجوزية : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبى بكر، زاد المعاد في هدي خير العباد، دار التقوى، القاهرة، بدون تاريخ نشر

4- ابن منظور : جمال الدين أبي الفضل محمد بن مكرم ، ” لسان العرب ” ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1994م

5- أبو غدة  : د. عبد الستار ، “مخاطر الصكوك الإسلامية”، بحث مقدم للملتقى السنوي الإسلامي السابع، الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية، عمان، الأردن ، 25 – 27 سبتمبر 2004م

6-الجوهري : إسماعيل بن حماد ، “تاج اللغة وصحاح العربية” ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطا، دار القلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1399هـ، 1979م.

7- الرازي : محمد بن أبى بكر عبد القادر ، ” مختار الصحاح ” ، دار الكتاب العربي، بيروت ، لبنان ، بدون تاريخ نشر.

8- السامرائي  : سعيد ، “القاموس الاقتصادي الحديث” ، مطبعة المعارف، بغداد، 1980م.

9- الشافعي  : محمد بن إدريس ، “الأم” ، دار المعرفة، بيروت، 1973م.

10- القرة داغي  : د. على محيي الدين ، “البدائل الشرعية لسندات الخزانة العامة والخاصة” ، أعمال الندوة الفقهية الثالثة، بيت التمويل الكويتي، 1993م.

11- الكراسنة : إبراهيم ، “أطر أساسية ومعاصرة في الرقابة على البنوك وإدارة المخاطر” ، صندوق النقد العربي، معهد السياسات الاقتصادية، أبو ظبي، مارس 2006م.

12- النووي : أبو زكريا يحيى الدين بن شرف ، ” شرح النووي على صحيح مسلم”، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1392هـ.

13- أنيس : د. إبراهيم وآخرون، “المعجم الوسيط” ، دار الأمواج، بيروت، ، بدون تاريخ نشر.

14- جابر  : محمد صالح ، “الاستثمار بالأسهم والسندات” ، بدون ناشر، بدون تاريخ نشر.

15- جوبست، كونزيل، ميلز، سي  : آندي ، بيتر ، بول، أمادو ، ” الأوراق المالية المتوافقة مع الشريعة،  التمويل الإسلامي يشهد توسعا سريعا” ، نشرة صندوق النقد الدولي ، إدارة النظم المالية وأسواق رأس المال بصندوق النقد الدولي، 19 سبتمبر 2007م.

16- حماد : د. طارق عبد العال ، “إدارة المخاطر (أفراد – إدارات – شركات – بنوك) “، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2003م.

17- خان ، أحمد : طارق الله وحبيب ، ” إدارة المخاطر – تحليل قضايا في الصناعة المالية الإسلامية” ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة، 1423هـ، 2003م.

18- دوابه : د. أشرف محمد ، “فوائد البنوك مبررات وتساؤلات” ، دار السلام للنشر، القاهرة، 2008م.

 19- —–، “نحو دراسة جدوى إسلامية للمشروع” ، دار السلام ، القاهرة، 2008م.

20- ——- ، “دراسات في التمويل الإسلامي” ، دار السلام، القاهرة، 2007م.

21- شركة موديز للتصنيفات الائتمانية العالمية : ، ” تقرير مراجعة 2007 والنظرة المستقبلية لعام 2008، التمويل الإسلامي” ، فبراير 2008م .

22- مسعود : جبران ، “الرائد “، دار العلم للملايين ، بيروت ، لبنان ، 2003م .

23- منظمة المؤتمر الإسلامي : ، “مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي” ،الدورة الرابعة، المجلد الثالث، جدة، 1988م.

24- هندي  : د. منير إبراهيم ، “الفكر الحديث في مجال الاستثمار” ، منشأة المعارف، الإسكندرية،1999م.

25- —– ، “أساسيات الاستثمار في الأوراق المالية” ، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1999م.

26- هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، “المعايير الشرعية” ، البحرين، 2007م،

27- —-، “معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية”، البحرين، 2008م.

ثانيا المراجع الأجنبية :

1- Arsalan, T. Ali , “Managing Financial risks of sukuk structures”, A dissertation submitted in partial fulfillment of the requirements for the degree of Master of Science at Loughborough University, UK, September, 2004.

2-Drucker, P. , ” Economist, Drucker on financial services”, Innovate or die, 5/9/1999.

3-Gonzalez, H. , “Regulutors try to reassure lawmakers on swap”, American Bank(oct. 29,1993).

4-Rehm, B. , “Regulutors try to reassure lawmakers on swap”, American Bank (oct. 29,1993).

5- Sole, J. , “Introducing Islamic Bank into Conventional Banking Systems”, IMF Working Paper, WP/07/175.

 


[1] انظر، تقرير مراجعة 2007 والنظرة المستقبلية لعام 2008، التمويل الإسلامي، شركة موديز للتصنيفات الائتمانية العالمية ، فبراير 2008م .

[2] Juan Sole, Introducing Islamic Bank into Conventional Banking Systems, IMF Working Paper, WP/07/175,P8.

[3] انظر ، آندي جوبست، وآخرون، الأوراق المالية المتوافقة مع الشريعة،  التمويل الإسلامي يشهد توسعا سريعا ، نشرة صندوق النقد الدولي ، إدارة النظم المالية وأسواق رأس المال بصندوق النقد الدولي، 19 سبتمبر 2007م، ص5.

[4] الذاريات ، 29.

[5] الرازي، مختار الصحاح، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، بدون تاريخ نشر، ص367. ابن منظور،  لسان العرب ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1994م ج10، ص 457، جبران مسعود ، الرائد ، دار العلم للملايين ، بيروت ، لبنان ، 2003م ، المادة (صك) ، ص551، النووي، شرح النووي على صحيح مسلم ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1392هـ، ج10، ص171.

[6] انظر، المعايير الشرعية، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، البحرين، 2007م، معيار رقم : 17، ص288.

[7] انظر ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، الدورة الرابعة، المجلد الثالث، 1988م، ص2140.

[8]لمزيد من التفاصيل انظر،  المعايير الشرعية ، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية ، مرجع سابق، المعيار رقم 17 ، ص288-289 ، د. على محيي الدين القرة داغي، البدائل الشرعية لسندات الخزانة العامة والخاصة ، أعمال الندوة الفقهية الثالثة، بيت التمويل الكويتي، 1993م، ص 235-248.

[9] لمزيد من التفاصيل انظر، ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، ج4، ص137، أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، دار الأمواج، بيروت، ص243، الشافعي، الأم، دار المعرفة، بيروت، 1973م، ج3، ص186، ج4، ص30، 237، سعيد السامرائي، القاموس الاقتصادي الحديث، مطبعة المعارف، بغداد، 1980م، ص244 ، محمد صالح جابر ، الاستثمار بالأسهم والسندات، بدون ناشر، بدون تاريخ نشر، ص47، د. منير إبراهيم هندي، أساسيات الاستثمار في الأوراق المالية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1999م، ص250، 256.

[10] المرجع السابق، ص256 (بتصرف).

[11] لمزيد من التفاصيل عن هذه المقاييس انظر، المرجع السابق، ص251-255.

[12] المرجع السابق، ص258 (بتصرف).

[13] لمزيد من التفاصيل انظر للباحث ، فوائد البنوك مبررات وتساؤلات، دار السلام للنشر، القاهرة، 2008م.

[14] انظر، د. طارق عبد العال حماد، إدارة المخاطر (أفراد – إدارات – شركات – بنوك) ، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2003م، ص51.

[15] ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، دار التقوى، القاهرة، بدون تاريخ نشر، ج5، ص418.

[16] انظر، إبراهيم الكراسنة، أطر أساسية ومعاصرة في الرقابة على البنوك وإدارة المخاطر، صندوق النقد العربي، معهد السياسات الاقتصادية، أبو ظبي، مارس 2006م، ص57.

 [17]لمزيد من التفاصيل انظر، للباحث، نحو دراسة جدوى إسلامية للمشروع، دار السلام ، القاهرة، 2008م، ص103-124.

[18] يوسف ، 55.

[19] القصص ، 26.

[20] انظر، المعايير الشرعية، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، مرجع سابق، معيار رقم : 5، ص60.

[21] انظر المرجع السابق، معيار رقم : 5، ص59.

[22] مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، مرجع سابق، الدورة الرابعة، المجلد الثالث، ص2146.

[23] انظر، د. عبد الستار أبو غدة، مخاطر الصكوك الإسلامية، بحث مقدم للملتقى السنوي الإسلامي السابع، الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية، 25 – 27 سبتمبر 2004م، ص15.

[24] مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، مرجع سابق، الدورة الرابعة، المجلد الثالث، ص2164.

[25] انظر، المعايير الشرعية، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، مرجع سابق، معيار رقم : 5، ص62.

[26] انظر، د. عبد الستار أبو غدة، مخاطر الصكوك الإسلامية، مرجع سابق، ص17- 18 (بتصرف).

[27] انظر ، معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، البحرين، 2008م، معيار رقم : 11 ، ص392 (بتصرف) .

[28] مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، مرجع سابق، الدورة الرابعة، المجلد الثالث، ص2164.

[29] يرى الجمهور ضرورة تسليم ضرورة تعجيل الثمن في مجلس العقد قبل التفرق ، ورأي المالكية أقرب لتطبيق التحوط في الصكوك الإسلامية، انظر، ابن رشد ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، 1983، ج2، ص323.

[30] لمزيد من التفاصيل انظر Peter Drucker,  Economist, Drucker on financial services, Innovate or die, 25/9/1999, p 27, H. Gonzalez, Regulutors try to reassure lawmakers on swap, American Bank(oct. 29,1993), p.3, B. Rehm, Regulutors try to reassure lawmakers on swap, American Bank(oct. 29,1993), p.3. ، ، وللباحث، دراسات في التمويل الإسلامي، دار السلام، القاهرة، 2007م، الفصل التاسع، الرؤية الإسلامية للمشتقات المالية، ص231-251.

[31] انظر، المعايير الشرعية، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، مرجع سابق، معيار رقم : 1، ص4-5.

[32] انظر، د. منير هندي، الفكر الحديث في مجال الاستثمار، منشأة المعارف، الإسكندرية،1999م، ص283-284.

الخيارات المالية

الخيارات المالية : Options

تعتبر الخيارات المالية احد أدوات الاستثمار بالأوراق المالية في أسواق رأس المال ويندرج تحت أسواق المشتقات المالية وهي:

  • الأسواق الآجلة
  • الأسواق المستقبلية
  • أسواق الخيارات
  • أسواق المبادلة

ويعرف الخيار على انه أحد الأوراق المالية المشتقة التي تمنح حاملها الحق وليس الإلزام لشراء أو بيع ورقه مالية (سهم مثلا) بسعر تنفيذ معين.

إن المستثمرين الذين يشترون الخيارات لا يمتلكون شيئا محددا سوا حقا يخولهم شراء أو بيع كمية محددة من الأوراق المالية في تاريخ لاحق

أما بائع الخيار فانه يكون ملتزما بالشراء (في حاله خيار البيع) أو بالبيع (في حاله خيار الشراء) وفقا لشروط العقد بينه وبين المشتري.

من أنواع الخيارات  خيار الشراء وخيار البيع

  • خيار الشراء call Option

وهي ورقه ماليه تمنح مشتريها الحق لشراء موجود معين(سهم مثلا) بسعر محدد يسمى (سعر التنفيذ) وذلك خلال فتره زمنيه تسمى  تاريخ الاستحقاق(يتم تحديدها في العقد)

ويدفع لبائع الخيار مقابل ذلك مبلغا يسمى (سعر الخيار أو العلاوة) وهذا المبلغ ثابت يتم تحديده في العقد.

إن شراء هذا النوع من الخيارات يضمن الحق للمستثمر بشراء الموجود الأساسي (سهم مثلا) بسعر محدد وثابت وهو سعر التنفيذ مهما ارتفع سعر السهم السوقي.

أما إذا كان سعر السهم في تاريخ استحقاق الخيار أدنى من سعر التنفيذ، فإن مشتري الخيار لن ينفذ خياره، وأن كل مايخسره هو سعر الخيار أو العلاوة التي دفعها لبائع الخيار.

  • خيار البيع Put Option

وهي ورقه ماليه تمنح مشتريها الحق لبيع موجود معين بسعر محدد يسمى (سعر التنفيذ) وذلك خلال فتره زمنيه تسمى  تاريخ الاستحقاق(يتم تحديدها في العقد)

ويدفع لبائع الخيار مقابل ذلك مبلغا يسمى (سعر الخيار أو العلاوة) وهذا المبلغ ثابت يتم تحديده في العقد.

إن شراء هذا النوع من الخيارات يضمن الحق للمستثمر ببيع الموجود الأساسي (سهم مثلا) بسعر محدد وثابت وهو سعر التنفيذ مهما أنخفض سعر السهم السوقي.

أما إذا كان سعر السهم في تاريخ استحقاق الخيار أعلى من سعر التنفيذ، فإن مشتري الخيار لن ينفذ خياره، وأن كل مايخسره هو سعر الخيار أو العلاوة التي دفعها لبائع الخيار.

  • قوم المشتري (المستثمر) بشراء خيار الشراء إذا توقع ارتفاع سعر السهم خلال تاريخ الاستحقاق.
  • يقوم المشتري (المستثمر) بشراء خيار البيع إذا توقع انخفاض سعر السهم خلال تاريخ الاستحقاق.

الأرباح والخسائر في سوق الخيارات

خيار الشراء

 مشتري خيار الشراء يدفع العلاوة وتمثل بالنسبة له تكلفة ، والبائع يقبض العلاوة وتمثل بالنسبة له ربح.

  • خسارة مشتري الخيار (المستثمر) محدودة بقيمة العلاوة، وأرباح البائع محدودة بقيمة العلاوة.
    • في حال أرتفع سعر السهم السوقي عن سعر التنفيذ فإن الفرق بين سعر السهم السوقي وسعر التنفيذ يمثل أربح لمشتري الخيار (لأنه اشترى السهم بأقل من سعره في السوق) ويمثل الفرق خسارة لبائع خيار البيع.

خيار البيع 

  • مشتري خيار البيع يدفع العلاوة وتمثل بالنسبة له تكلفة ، والبائع يقبض العلاوة وتمثل بالنسبة له ربح.
    • خسارة المشتري (المستثمر) محدودة بقيمة العلاوة، وأرباح البائع محدودة بقيمة العلاوة.
    • في حال أنخفض سعر السهم السوقي عن سعر التنفيذ فإن الفرق بين سعر السهم السوقي وسعر التنفيذ يمثل أربح لمشتري الخيار (لأنه باع السهم بسعر أعلى من سعره في السوق) ويمثل الفرق خسارة لبائع خيار البيع.

حياة ابن تيمية رحمة الله علية

حياة العالم ابن تيمية

حياته:

هو الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي. أحد الأعلام، ولد في حران في ربيع الأول سنة (661هـ )، وقدم به والده وبأخوته إلى دمشق عند استيلاء التتر على البلاد سنة (667هـ). وقيل في سبب تسميته بابن تيمية، بأن جده محمد بن الخضر حج وله امرأة حامل ومر على درب تيماء، فرأى هناك جارية طفلة، قد خرجت من خباء فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد ولدت بنتاً، فلمنا رآها قال: يا تيمية، فلقب بذلك. وقيل إن محمداً هذا كانت أمه تسمى تيمية وكانت واعظة فنسب إليها وعرف بها.([1])

حياته العلمية:

بدأ حياته العلمية والعملية بشكل مباشر بعد وفاة والده، فدرّس بعد والده وله من العمر إحدى وعشرون سنة، فدرس بدار الحديث السكرية، ثم شرع في تفسير القرآن العظيم. وكان يدرس كذلك في المدرسة الحنبلية بدمشق. ([2])

كان عالماً، له في حياته العلمية منهج يعتمد على أساسين:

الأول: العمل على العودة بالإسلام (من جميع جوانبه) إلى عصوره الزاهرة الأولى امتثالاً لقول الرسول الكريم (ص) “خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم…” الحديث.

والثاني: الجرأة في إحقاق الحق وعدم الخوف في ذلك، فكان لا تأخذه في الحق لومة لائم.

عني شيخ الإسلام بالحديث فسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر والكمال بن عبد وابن الصيرفي، وابن أبي الخير، ونسخ جملة، وتعلم الخط والحساب في المكتب وحفظ القرآن، ثم أقبل على الفقه، وقرأ أياماً في اللغة العربية على ابن عبد القوي، ثم أتقنها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه، وبرع في النحو، وأقبل على التفسير إقبالاً كلياً حتى سبق فيه، و أحكم أصول الفقه، كل هذه الدراسات تعلمها وأتقنها وهو ابن بضع عشرة سنة. تمذهب بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، فلم يكن أحد في مذهبه أنبه ولا أنبل منه.

شيوخه:

شيوخه الذين جمع منهم يزيدون عن مائتي شيخ. وسمع مسند الإمام أحمد مرات ومعجم الطبراني الكبير، والكتب الكبار. ولم تكن نفسه تشبع من العلم، ولا تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال، ولا تكل من البحث، وقلّ أن يدخل في علم من العلوم في باب من أبوابه إلا ويفتح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حذاق أهله. ثم إنه درس كذلك علوم المنطق والحكمة والفلسفة، وآراء الأوائل ومماراة العقول. ([3])

       لقد تلقى ابن تيمية العلم على يد والده الشيخ عبد الحليم وكان لوالده كرسي بجامع دمشق يتكلم عليه، وولي مشيخة دار الحديث، كما تلقى على يد علي زين الدين احمد بن عبد الدايم المقدس، ونجم الدين بن عسكر، والشيخ جمال الدين بن الصيرفي، كما سمع الحديث من الشيخ جمال الدين البغدادي والنجيب بن المقداد،وابن أبى الخير، وزينب بنت مكي ، والفقيه نور الدين علي بن عبد البصير المالكي، كما تلقى العلم على يد القاضي جمال الدين القزويني.(2)

 مؤلفاته: لشيخ الإسلام من المؤلفات والقواعد والفتاوى والأجوبة والرسائل والتعاليق مالا ينحصر ولا ينضبط،أما تصنيفاته ففي الدرر أنها ربما تزيد عن أربعة آلاف كراسة وفي فوات الوفيات أنها تبلغ ثلاث مائة مجلد، ومن أشهر مؤلفاته:(3)

– الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح.

– منهاج السنة.

– السياسية الإلهية والآيات النبوية.

– الفتاوى.

– الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشياطين.

– الإيمان.

– مجموعة رسائل بلغت تسعاً وعشرين رسالة.

– الواسطة بين الحق والخلق.

– السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية.

– الجمع بين النقل والعقل.

– الحسبة ومسؤولية الحكومة الإسلامية.

– نقض المنطق.

– رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

– القاعدة المراكشية.

– شرح العقدية الأصفهانية.

– الأموال المشتركة.

– القواعد النورانية الفقهية

– المظالم المشتركة.

– مجموعة الرسائل والمسائل.

– نظرية العقد.

– التوسل والوسيلة.

– تلخيص كتاب الاستغاثة.

– الصارم المسلول على شاتم الرسول.

– الرد على الاخنائي.

–       بالإضافة إلى مجموع الفتاوى التي بلغ تعدادها سبعة وثلاثين مجلداً.

تلاميذه :

1-     ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن أيوب، ولد سنة ( 691هـ) في دمشق وتوفي سنة (751 هـ)، وقد شارك كشيخه في جميع العلوم الإسلامية ونبغ في أصول الدين والحديث والفقه والعربية وعلم الكلام، ولكنه تفرد بالتفسير كما يؤكد ذلك ابن رجب الحنبلي في طبقاته.

2-     ابن عبد الهادي، الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن احمد بن عبد الهادي المقدسي، ولد سنة (704هـ) وتوفي سنة(744 هـ) ، قرأ القران بقراءات مختلفة، وقرأ الحديث وبرع في الرجال وعلل الحديث بصفة خاصة، وتفقه بالمذاهب وله براعة كاملة في الأصلين وعلوم العربية.

3-     ابن كثير، عماد الدين إسماعيل بن عمر يكنى أبو الفداء، ولد سنة (701 هـ) وتوفي سنة     (774 هـ) ، قرأ الفقه وسمع الحديث واشتغل بالفتاوى والتدريس والمناظرة.

4-     ومن تلاميذه أيضا قاضي القضاة شرف الدين أبو العباس احمد بن الحسين المشهور بقاضي الجبل، زين الدين عمر الشهير بابن الوردي، وزين الدين أبو حفص عمر الحراني ولي نيابة الحكم، وشمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح فقد قال عنه أبو البقاء السبكي (مارأت عيني أفقه منه). (1) 

5-     الأمام المقرئ علاء الدين بن المظفر بن إبراهيم بن عمر بن زيد بن هبة الله الكندي الاسكندراني توفي سنة 716هـ.

6-     شرف الدين أبو عبد الله أخو قاضي القضاة علاء الدين الذي ولد سنة 675هـ وتوفي سنة 724.

7-        الفقيه الناسك شرف الدين الجراني المعروف بابن النجيح وكان معه في مواطن كبار صعبة لا يستطيع الأقدام عليها إلا  الأبطال الخلص وسجن معه وكان من اكبر خدامه وخواص أصحابه توفي سنة 723هـ.

8-     ومن النساء الشيخة العابدة الناسكة أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبى الفتح بن محمد البغدادية وكانت من العالمات الفضلات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وقد سمع الشيخ بن تيمية وهو يثني عليها ويصفها بالفضيلة والعلم ، وكان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها.([4])

المحن التي تعرض لها:

لاقى من المتاعب الشيء الكثير ، وذلك من خلال دسائس الحاقدين، ولاحقته هذه الدسائس حتى زج به في غياهب سجون القاهرة ودمشق([5])حتى مات بين جدرانها شهيد الحق والجرأة فيه.

 فقد طلب إلى مصر من اجل فتوى أفتى بها ] يرى ابن تيمية منع زيارة قبور الصالحين بل منع زيارة الروضة الشريفة التي بها قبر رسول الله (ص) [ فقصدها فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة ونقل إلى الإسكندرية ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة (712هـ) واعتقل بها يوم الاثنين 16شعبان سنة (726هـ)، وأطلق ، ثم أعيد ومات معتقلا بقلعة دمشق.([6])

وهذا مما أثاره عليه خصومه من الفقهاء والمتكلمين والمتصوفة والمبتدعة وأصحاب المذاهب الهدامة وعليهم جميعاً أعلن حرباً شعواء لا هوادة فيها، لا يعرف اللين أو المجاملة في إظهار الحقيقة وقمع بوادر الشر والفتنة.

مكانته العلمية:

أن جل علماء الدولة الإسلامية في ماضيهم وحاضرهم أثنوا عليه ثناءً كبيراً، حتى أن البعض منهم عده في مكانة الفقهاء الأربعة، ومن علماء عصره أو من قارب عصره نذكر: الذهبي، وابن شاكر، والصفدي، والمزي، والزملكاني، والعماد الواسطي، والبرزالي، وابن عبد الهادي، وابن سيد الناس، وابن دقيق العيد..الخ.

“ويتحدث الأمام الذهبي عن مكانة ابن تيمية العلمية فيقول في معجم شيوخه:شيخنا وشيخ الإسلام، وفريد عصره علماً ومعرفة، وشجاعة وذكاء وتنويراً ألهياً، وكرماً ونصحاً للامة، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

ويقول الشيخ عماد الدين،بعد أن يثني عليه بكلام طويل جميل: فو الله ثم والله ثم والله، لم يُر تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية علماً وعملاً،وحالاً وخلقاً واتباعاً، وكرماً وحلماً وقياماً في حق الله عند انتهاك حرماته، اصدق الناس عقداً وأصحهم علماً وحزماً وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة،و أسخاهم كفاً،وأكملهم اتباعا لنبيه محمد(ص).”(2)

وفاته:

توفي رحمه الله بدمشق في سجن القلعة في تاريخ 20/11/728هـ. ويروي المؤرخون أن وفاته كانت من الأحداث  التي شغلت الناس في تلك السنة، ويروي المؤرخون جنازته بأنه كانت عظيمة لم يتخلف عنها أحد سمع بموته كما حضرت النساء الجنازة وعلت الأصوات بالبكاء والنحيب  وانطلقت الألسنة بالثناء عليه والدعاء له، وقد دفن  ابن تيمية في مقبرة الصوفية إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله.(1)

 وقد ترك لنا علماً ينتفع به فكان من الذين امتثلوا إلى حديث رسول الله (ص) حيث قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. صدقة جارية أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له”. والعلم الذي ينتفع به فهو هذا الكم الهائل وهذا البحر من المؤلفات التي زاد عددها عن ثلاثمائة مجلد. لقد ترك لنا معشر المسلمين ثروة غالية وثمينة يجدر بنا المحافظة عليها وإحياءها بالدراسة والتحقيق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

وصف الكتاب

محقق الكتاب:

قام بتحقيق كتاب الأموال المشتركة للعالم شيخ الإسلام ابن تيمية الدكتور ضيف الله بن يحيى الزهراني، الأستاذ المساعد في الحضارة والنظم الإسلامية في جامعة أم القرى في مكة المكرمة.

وقد قام دار مكتبة الطالب الجامعي في مكة المكرمة – العزيزية بطباعته الطبعة الأولى سنة 1406 هـ الموافق 1986م.

ويتألف الكتاب من جزء واحد ومقسم إلى بابين الباب الأول دراسة عن حياة المؤلف والباب الثاني يتألف من (9) فصول عن الأموال المشتركة وهي(تعريف بالأموال المشتركة،الأموال المشتركة،مصارف الأموال،سياسة الخلفاء في تقسيم الأموال،نظام جباية الأموال، الرقابة المالية، التعزير بالعقوبات المالية، كسر سكة المسلمين، الثواب والعقاب) ، وعدد صفحات مخطوط (الأموال المشتركة) الأصلية (46) صفحة بحجم 19x 27سم.(1)

المصادر التي اعتمد عليها المحقق:

1-        القرآن الكريم.

2-   الأحاديث النبوية: التي وردت في كتب الصحاح، كصحيح البخاري، وصحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، وسنن الترمذي، رضي الله عنهم أجمعين.

3-   ابن أبي أصيبعة: أبو العباس، أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس، السعدي، الخزرجي “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”،تحقيق د.نزار رضا،منشورات مكتبة دار الحياة، بيروت 1965م.

4-   ابن الأثير: عز الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني. “الكامل في التاريخ” طبعة بيروت 1385هـ- 1965م، نشر: دار صادر ودار بيروت، لبنان.

5-   ابن الأخوة القرشي: محمد بن محمد بن أحمد القرشي “معالم القرية في أحكام الحسبة”، تحقيق د.محمد محمود شعبان وصديق احمد عيسى المطيعي. طبع ونشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب 1976م.

6-   ابن تغري بردى: أبو المحاسن، يوسف بن البشغاوي، “النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة”، طبعة دار الكتب المصرية. نشر: وزارة الثقافة بمصر.

7-   ابن تيمية: شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الدمشقي الحنبلي. “السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية”. علق عليه: محمد بن عبد الله السمان. نشر: مكتبة المثنى، بغداد-العراق.

8-        ابن تيمية: “الحسبة ومسؤولية الحكومة الإسلامية”. تحقيق: صلاح عزام. مطبوعات: الشعب بالقاهرة 1396هـ/1976م.

9-        ابن تيمية: “المظالم المشتركة”. تحقيق: زهير الشاويش، طبع ونشر: المكتب الإسلامي، بيروت، 1400هـ.

10- ابن تيمية: “مجموع فتاوي شيخ الإسلام”. جمع وترتيب : عبد الرحمن بن محمد قاسم بمساعدة ابنه محمد، طبع ونشر: مكتبة المعارف، الرباط، المغرب. تحت إشراف: المكتب التعليمي السعودي بالمغرب.

11- ابن الجوزي: أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي، “المنتظم في تاريخ الأمم والملوك”. طبع بمطابع دائرة المعارف بحيدر أباد الدكن 1357هـ.

12- ابن حجر: الإمام الحافظ، أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني “الإصابة في تمييز الصحابة”. طبع بمطبعة علي صبيح وأولاده بمصر 1358هـ/1939م.

13-  ابن خرداذبة: أبو العباس، عبيد الله بن عبد الله. “المسالك والممالك”. باعتناء: دي خويه، ليدن 1889م. نشر: مكتبة المثنى، بغداد، العراق.

14-  ابن الخطيب: الحافظ أبي بكر، أحمد بن علي، “تاريخ بغداد”. تحقيق وطبع أوفست كوزغرافير، بيروت، لبنان. نشر: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

15-  ابن خلدون: أبو زيد، عبد الرحمن بن محمد بن محمد التونسي، المالكي، “العبر وديوان المبتدأ والخبر”. طبع ونشر: دار الكتاب اللبناني، بيروت. الطبعة الثالثة، 1391هـ/1971م.

16-  ابن خلكان: أبو العباس، أحمد بن محمد بن أبي بكر، “وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان”. تحقيق: د. إحسان عباس. طبع ونشر: دار صادر، بيروت.

17-  ابن خياط: خليفة بن خياط، “تاريخ خليفة بن خياط”. رواية: تقي بن مخلد، تحقيق: سهيل زكار 1387هـ/1967م. طبع ونشر: وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي، دمشق 1968م.

18-  ابن دحية: عمر بن حسن بن علي، “النبراس في تاريخ بني العباس”. تحقيق: المحامي عباس الغزاوي، مطبعة المعارف، بغداد، العراق 1365هـ/1946م.

19-    ابن رجب: أبو الفرج، بعد الرحمن بن أحمد الحنبلي، “الذيل على طبقات الحنابلة”. تحقيق: محمد حامد الفقي، مصر.

20-  ابن رسته: أبو علي، أحمد بن عمر، “الأعلاق النفيسة”. باعتناء: دي غويه، مطبعة ليدن، بريل 1892م. نشر: مكتبة المثنى، بغداد، العراق.

21-  ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع الهاشمي، “الطبقات الكبرى”، تصدير: دار صادر بيروت، وطبعة دار التحريم، ثم الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، بطبع ونشر الطبقة الثالثة إلى منتصف الطبقة السادسة. المملكة العربية السعودية 1403هـ/1982م.

22-  ابن سلام: أبو عبيد القاسم بن سلام، “الأموال”. تحقيق: محمد خليل هراس. طبع: دار الشروق، الطبعة الأولى 1388هـ/1968م. نشر: مكتبة الكليات الأزهرية بمصر.

23-    ابن شاكر الكتبي: محمد بن شاكر، “فوات الوفيات”. تحقيق وطبع: محيي الدين عبد الحميد، القاهرة 1951م.

24-  ابن شاكر الكتبي: “عيون التواريخ”. تحقيق: نبيلة عبد المنعم داود، د. فيصل السامر. طبع ونشر: وزارة الإعلام والثقافة بالجمهورية العراقية 1982م.

25-  ابن شبه: أبو عمر بن زيد “تاريخ المدينة المنورة” تحقيق د. فهيم شلتوت، طبع على نفقة السيد حبيب، بمطابع دار الأصفهاني بجدة.

26-  ابن طباطبا: محمد بن علي العلوي الطقطقي، “الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية” طبع: المطبعة الرحمانية بمصر 1345هـ/1927م. نشر: المكتبة التجارية الكبرى بمصر.

27- ابن عساكر: علي بن الحسن بن هبة الله، “تاريخ دمشق الكبير”. مخطوط مصور في المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، تحت رقم 1327-1363، (19) جزءاً. وهناك من قام بتهذيبه وترتيبه وهو/ عبد القادر بدران، ونشرته: دار المسيرة، بيروت، الطبعة الثانية 1399هـ.

28-  ابن العماد: أبو الفلاح، عبد الحي بن العماد الحنبلي “شذرات الذهب في أخبار من ذهب”. طبع ونشر: المكتبة التجارية، بيروت، لبنان.

29-  ابن العمراني: محمد بن علي بن محمد، “الأنباء في تاريخ الخلفاء”. تحقيق: د. قاسم السامرائي. طبعة ليدن 1973م، نشر المعهد الهولندي للآثار المصرية والبحوث العربية، القاهرة.

30-  ابن قنفذ القسنطيني: أبو العباس، أحمد بن حسن بن علي بن الخطيب، “الوفيات”. تحقيق: عادل نويهض. طبع ونشر: دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية، 1978م.

31-  ابن كثير: أبو الفداء، إسماعيل بن عمر، “البداية والنهاية”. طبع ونشر: مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة الثالثة، 1978م.

32-  ابن مسكويه: أبو علي، أحمد بن محمد بن يعقوب، “تجارب الأمم”. باعتناء دي غويه، طبعة ليدن 1871م. نشر: مكتبة المثنى، بغداد، العراق.

33-    ابن منظور: أبو الفضل بن جلال الدين أبو العز بن نجيب الدين، “لسان العرب”، دار الفكر، بيروت، لبنان.

34-    ابن النديم: أبو الفرج، محمد بن إسحاق، “الفهرست”. طبع ونشر: دار المعارف بمصر، 1398هـ/1978م.

35-  ابن هشام: محمد بن عبد الملك بن هشام الحميري، “السيرة النبوية”. حققها وضبطها: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري. وعبد الحافظ شلبي. طبع ونشر: مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ط2، 1375هـ/1955م.

36-  ابن واصل: جمال الدين محمد بن سالم، “مفرج الكروب في أخبار بني أيوب”. تحقيق: جمال الدين الشيال، القاهرة، 1953م.

37-  ابن الوردي: عمر بن المظفر بن أبي الفوارس، “تتمة المختصر في أخبار البشر. تاريخ ابن الوردي”. تحقيق: أحمد رفعت البدراوي، بيروت 1389هـ/1970م.

38-  أبو سالم: محمد بن طلحة الوزير، “العقد الفريد للملك السعيد”. صححه: عبد الهادي بن موسى البولاقي. طبع بمطبعة الوطن العامرة 1310هـ/1892م.

39-    أبو يوسف: القاضي يعقوب بن إبراهيم، “الخراج”. تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا. طبع ونشر: دار الإصلاح 1402هـ.

40-  البزار: عمر بن علي بن موسى بن الخليل البغدادي، “المناقب العلية”. تحقيق: زهير الشاويش. المكتب الإسلامي، بيروت، 1396هـ.

41-  البلاذري: أبو الحسن أحمد بن يحيى، “فتوح البلدان”. المطبعة المصرية، الطبعة الأولى، 1350هـ/1932م. نشر: المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة.

42-    البنداري: الفتح بن علي بن محمد، “تاريخ دولة آل سلجوق”. طبع: دار الآفاق الجديدة، الطبعة الثانية 1978م، بيروت.

43-  التنوخي: أبو علي، المحسن بن ابي القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم، “جامع التواريخ، المسمى نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة”. تحقيق: عبود الشامي. مطابع: دار صادر، بيروت 1973م.

44-  الجهشياري: أبو عبد الله محمد بن عيدوس، “الوزراء والكتاب”. تحقيق: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي. طبع ونشر: مصطفى البابي الحلبي وأولاده. الطبعة الثانية 1401هـ/1981م.

45-  الدينوري: أبو حنيفة، أحمد بن داود، “الأخبار الطوال”. تحقيق: عبد المنعم عامر. الناشر: دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1960م، القاهرة.

46-  الذهبي: شمس الدين، محمد بن أحمد بن عثمان، “دول الإسلام”. تحقيق: فهيم شلتوت. ود. محمد مصطفى إبراهيم. طبع ونشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974م.

47-    الذهبي: “تذكرة الحفاظ”، السلسلة الجديدة من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية، دار إحياء التراث العربي.

48-    الذهبي: “ذيل العبر في خبر من غبر” تحقيق صلاح الدين المنجد، وفؤاد السيد، الكويت، 1960م/ 1966م.

49-  الذهبي: “المختصر المحتاج إليه”. تحقيق: د. مصطفى جواد. طبع ونشر: المجمع العلمي العراقي، بغداد 1383هـ/1963م.

50-    الذهبي: “النصيحة الذهبية في ذيل بيان زغل العلم”. قام بنشره القدسي 1347هـ، دمشق.

51-  الرحبي: عبد العزيز بن محمد الحنفي البغداد “فقه الملوك ومفتاح الرتاج المرصد على خزانة كتاب الخراج”. تحقيق: د. أحمد عبيد الكبيسي. طبع مطبعة الإرشاد، نشر وزارة الأوقاف العراقية، بغداد، 1973م.

52-    زين الدين: عبد الرحمن البعلي زين الدين الدمشقي. “كشف المخدرات والرياض المزهرات”. المطبعة السلفية.

53-  سبط بن الجوزي: أبو المظفر، يوسف بن قزاوغلي علي بن عبد الله، “مرآة الزمان في تاريخ الأعيان”. حيدر أباد، 1270هـ/ 1951م.

54-    صاعد الأندلسي: “طبقات الأمم”. مطبعة التقدم بشارع محمد علي بمصر.

55-  الصفدي: صلاح الدين خليل بن أيبك، “الوافي بالوفيات”. باعتناء: هلموث زيتر. يطلب من دار النشر فرانز ستايز بفيسبادن، 1381هـ/1962م.

56-  الطبري: أبو جعفر، محمد بن جرير، “تاريخ الأمم والملوك”، ثلاث سلاسل باعتناء: دي غويه، مطبعة بريل، ليدن، 1879م، نشر: مكتبة خياط، بيروت.

57-  قدامة بن جعفر: أبو الفرج، “نبذة من كتاب الخراج وصنعة الكتابة”، باعتناء: دي غوية، مطبعة بريل، ليدن، 1889م. “المنزلة الخامسة من الكتاب نفسه”. تحقيق: الأستاذ طلال رفاعي، تحقيق الكتاب بكامله، قام بذلك د. محمد حسين الزبيدي، العراق 1981م. دار الرشيد.

58-  ألماوردي: أبو الحسن علي بن محمد، “الأحكام السلطانية والولايات الدينية”. طبع ونشر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، القاهرة، 1380هـ/1960م.

59-    المسعودى: أبو الحسن علي بن الحسين، “التنبيه والأشراف”، باعتناء: دي غويه، مطبعة بريل، ليدن، 1983م.

60-  المقريزي: تقي الدين، أحمد بن علي، “السلوك لمعرفة دول الملوك”. تحقيق: محمد مصطفى زيادة، وسعيد عبد الفتاح عاشور مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة 1970.

61-  المقريزي: “المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار”، مصورة بالأوفست عن طبعة بولاق 1270هـ. نشر: دار التحرير بالقاهرة، ومؤسسة البابي الحلبي وشركاه بالقاهرة.

62-  المقدسي: محمد بن أحمد البشاري، “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم”. باعتناء: دي غويه، مطبعة بريل، ليدن، الطبعة الثانية 1906م. نشر: مكتبة المثنى، ببغداد، العراق.

63-  المقري: أحمد بن محمد التلمساني، “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب”. تحقيق: إحسان عباس. طبع ونشر: دار صادر، بيروت، 1388هـ/1968م.

64-  محمد الرازي: أبو بكر محمد بن عبد القادر، “مختار الصحاح”. نشر: دار الكتب العربية، بيروت. ويطلب كذلك من دار الباز للطباعة والنشر، مكة المكرمة.

65-    منصور: منصور بن إدريس، “كشاف القناع عن متن الإقناع”. المطبعة الشرقية بمصر، الطبعة الأولى 1319هـ.

66-    وكيع: محمد بن خلف، “أخبار القضاة”. تحقيق: عبد العزيز مصطفى المراغي. مطبعة الاستقامة، القاهرة، 1947م.

67-  ياقوت: أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله، “معجم البلدان”. طبع: في دار الكتاب العربي، بيروت. نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.

68-    ياقوت: “معجم الأدباء”. باعتناء: مرجليوث، المطبعة الهولندية، ومطبعة الإرشاد، الطبعة الثانية، 1930م.

69-  يحيى بن آدم القرشي: “الخراج”. صححه وشرحه أحمد محمد شاكر. طبع ونشر: دار المعرفة، بيروت، 1399هـ/1979م.

 وصف فصول كتاب الأموال المشتركة:

الفصل الأول [ تعريف بالأموال المشتركة]

قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية “هذه قاعدة شريفة في الأموال المشتركة: الأموال السلطانية، والأموال العقدية من وقف ونذر ووصية ونحو ذلك، الأصل في ذلك مبني على شيئين، أحدهما أن يعلم المسلم بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله (ص) وإجماع المؤمنين نصاً واستنباطاً. ويعلم الواقع من ذلك في الولاة والرعية ليعلم الحق من الباطل، ويعلم مراتب الحق ومراتب الباطل ليستعمل الحق بحسب الإمكان، ويدفع الباطل بحسب الإمكان ويرجع عند التعارض أحد الحقين ويدفع أبطل الباطلين.” ([7])

الفصل الثاني [الأموال المشتركة]

“فنقول وبالله التوفيق إن الأموال المشتركة السلطانية الشرعية ثلاثة: الفيء والمغانم  والصدقة  ولذا صنف العلماء كتب الأموال ككتاب الأموال لأبي عبيد ولحميد بن زنجويه والأموال للخلال من جوابات أحمد، وغير ذلك فهذه الأموال التي تكلموا فيها، وكذلك من العلماء من يجمع فيها في الكتب المصنفة في ريع الأموال. كما في المختصر للمزني ومختصر الخرفي وغيرهما كتاب قسم الغنائم والفيء والصدقة يذكرونه قبل قسم الوصايا والفرائض بعد قسم الوقوف، ومنهم من يذكر قسم الصدقة في كتاب الزكاة وقسم الغنائم في كتاب الجهاد. وكذلك الفيء كما هي طريقة كثير من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم ومنهم من يذكر الخراج والفيء في كتاب الإمارة. كما فعل أبو داود في السنن في كتاب الخراج والإمارة.” ([8])

الفصل الثالث [مصارف الأموال]

تحدث ابن تيمية في هذا الفصل عن مصارف الأموال المشتركة ودعم كل مصرف بشواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية وبعض أقوال السلف.

“وهذه الأموال الثلاثة مستخرجها ومصرفها بكتاب الله وسنة رسوله وأكثرها مجمع عليه، وفيها مواضع متنازع عليها بين العلماء، فإن الله تعالى فرض الزكاة في الأموال وذكر أهلها في كتابه بقوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) والنبي (ص) قد بين في ذلك ما أجمله القرآن بما سنه من نصب الزكاة وفرائضها وفسر من مواضعها وعمل به خلفاؤه الراشدون من بعده فكانوا يدفعون الزكاة إلى من ذكرهم الله تعالى في كتابه، وكذلك المغانم قد أحلها الله بكتابه وسنة رسوله (ص) وخلفائه الراشدين، وهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال وما  أخذ من المرتدين والخارجين عن شريعة الإسلام، فتفصيله ليس هذا موضعه ويسمى أيضاً فيئاً وأنفالاً، وكذلك الفيء الخاصة وهو ما أخذ من الكفار بغير قتال ذكره الله تعالى في سورة الحشر وجرى قسمه في سنة رسول الله (ص) وسنة خلفائه الراشدين على الوجه الذي جرى عليه، ويلتحق به الأموال المشتركة التي تؤخذ من الكفار كالمواريث التي لا وارث لها والأموال الضائعة التي لا يعلم لها مستحق معين”([9]).

الفصل الرابع [سياسة الخلفاء في تقسيم الأموال]

“ولولاة الأمور من الملوك ودولهم في ذلك عادات واصطلاحات بعضها مشروع وبعضها مجتهد فيه، وبعضها محرم، كما للقضاة والعلماء والمشايخ (من هو) من أهل العلم والعدل كأهل السنة فيتبعون النص تارة والاجتهاد أخرى، ومنهم أهل جهل وجور وظلم كأهل البدع المشهورة من ذوي المقالات والعبادات وذوي الجهل والجور من الملوك والقضاة والولاة.

وكانت سيرة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في غاية الاستقامة والسداد بحيث لم يكن الخوارج أن يطعنوا فيهما فضلوا عن أهل السنة، وأما عثمان وعلي فهما من الخلفاء الراشدين وسيرتهما سيرة العلم والعدل والهدى والرشاد والصدق والبر، لكن فيها نوع مجتهد فيه والمجتهد في ما اجتهد فيه إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر وخطأه مغفور له.

وأما من بعد الخلفاء الراشدين فلهم في تفاصيل قبض الأموال وصرفها طرق متنوعة منها ما هو حق منصوص عليه موافق للكتاب والسنة، ومنها ما هو اجتهاد يسوغ بين العلماء إذا كان الإمام من أهل الاجتهاد وله علم، وقد يسقط الوجوب بأعذار ويباح المحظور بأسباب وليس هذا موضع تفصيل ذلك. ومنها ما هو اجتهاد لكن صدوره لعدوان من المجتمع أو تقصير منه شاب الرأي فيه الهوى فاجتمعت فيه حسنة وسيئة، وهذا النوع كثير في الملوك وغيرهم جداً ومنه ما هو معصية محضة لا شبهة فيه.” ([10])

الفصل الخامس [نظام جباية الأموال]

“ولم أعلم أن في الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية وظفوا على الناس وظائف (هي الضرائب المفروضة على الممولين) تؤخذ منهم غير الوظائف التي هي مشروعة في الأصل وإن كان التغيير قد وقع في أنواعها وصفاتها ومصارفها، نعم كان السواد (السواد من أرض العراق ويبدأ من حديثه الموصل إلى عبادان وعرضه من عذيب القادسية إلى حلوان، ووضعت للسواد تقسيماً لأغراض إدارية ومالية) خارجه على الخراج العمري فلما كان في دولة المنصور فيما أظن نقله إلى المقاسمة. وجعل المقاسمة بقدر المخارجة كما فعل النبي (ص) بخيبر، وهذا من الاجتهادات السابقة.” ([11])

الفصل السادس [الرقابة المالية]

وضع ابن تيمية قاعدة اقتصادية لرصد احتياط مالي للحاجة، وقد أوضح الطرق المؤدية إلى جمع تلك الأموال الاحتياطية عن طريق الضرائب.

” استئثار ولاة الأمور بالأموال دون الرعايا والمحاباة فيها فهذا قديم، بل قد قال النبي (ص) للأنصار: “إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض” والاستئثار مذموم لا يجوز، وقد أخبر النبي (ص) بمال الأمراء بعده في غير حديث، وكان الخلفاء هم المطاعون في أمر الحرب وأمر الخراج والأموال ولهم عمال ونواب على الحرب وعمال ونواب على الأموال ويسمون هذه الحرب وهذه ولاية الخراج ووزراؤهم الكبار ينوبون عنهم في الأمرين إلى ما بعد المائة الثالثة من سني الدولة العباسية وبعد ذلك ضعف أمر الخلافة وأمر وزرائها بأسباب جرت وضيعت بعض الأموال وعصى عليهم قوم من النواب بتفريط جرى في الرجال والأموال.” ([12])

الفصل السابع [التعزيز بالعقوبات المالية]

“والتعزيز (تأديب على أفعال نهت عنها الشريعة ولم تشرع لها عقاباً محدداً) بالعقوبات المالية مشروع في مواضع مخصوصة في مذهب مالك في المشهور عنه ومذهب أحمد في مواضع بلا نزاع عنه، ومواضع فيها نزاع عنه. والشافعي في قول وإن تنازعوا في تفصيل ذلك كما دلت عليه سنة رسول الله (ص) في مثل إباحته سلب الذي يصطاد في الحرم حرم المدينة لمن وجده ومثل أمره بكسر دنان الخمر وشق ظروفه، ومثل أمره عبد الله بن عمر أن يحرق الثوبين المعصفرين، فقال: يا رسول الله أغسلهما، قال: لا بل أحرقهما. وأمره يوم خيبر بكسر الأوعية التي فيها لحوم الحمر الأهلية، لما استأذنوه في الإراقة أذن وأنه لما رأى القدور تفور بلحوم الحمر أمر بكسرها وإراقة ما فيها فقالوا أفلا نريقها ونغسلها فقال افعلوا، فدل ذلك على جواز الأمرين لأن العقوبة بذلك لم تكن واجبة. ومثل هدمه مسجد الضرار، ومثل تحريق موسى عليه السلام للعجل، ومثل تضعيفه (ص) الغرم على من سرق غير حرز ومثل إحراق متاع الغال ومن حرمان القاتل سلبه لمن اعتدى على الأمير، ومثل أمره عمر وعلي بن أبي طالب بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر، ومثل أخذ شطر مال مانع الزكاة، ومثل تحريق عثمان بن عفان المصاحف المخالفة للإمام، وتحريق عمر بن الخطاب لكتب الأوائل وأمره بتحريق قصر سعد بن أبي وقاص الذي بناه لما أراد أن يحتجب عن الناس فأرسل محمد بن مسلمة وأمره أن يحرقه عليه فذهب فحرقه. وهذه القضايا كلها صحيحة معروفة عند أهل العلم بذلك ونظائر هذا متعددة. والعقوبات المالية كالعقوبات البدنية تنقسم إلى ما يوافق الشرع وإلى ما يخالفه.” ([13])

الفصل الثامن[ كسر سكة المسلمين ]

تحدث ابن تيمية في هذا الفصل الدولة الإسلامية، وقد نهى عن العبث بها.

“وأما كسر سكة المسلمين (النقود) وتغييرها فمثل ما روى أبو داود عن عبد الله بن عمر عن النبي (ص) أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجارية بينهم إلا من بأس وإذا كانت الدراهم أو الدنانير الجارية فيها بأس كسرت ومثل تغيير الصور المصورة المجسمة وغير المجسمة إذا لم تكن موطوءة كما في حديث أبي هريرة أن جبريل امتنع من دخول بيت النبي (ص) لما كان فيه تمثال رجل وكان في البيت قرأم ستر فيه تماثيل وكلب فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر يقطع فيجعل في وسادتين منتبذتين توطآن ومر بالكلب يخرج ففعل رسول الله (ص) وإذا الكلب جرو كان للحسن والحسين تحت نضيد لهما”، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصحيحه.” ([14])

الفصل التاسع[ الثواب والعقاب]

” الثواب والعقاب يكونان من جنس العمل في قدر الله تعالى وفي شرعه فإن هذا من العدل الذي به تقوم السماء والأرض كما قال تعالى: (إن تبدو خيراً أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً). وقال: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)، وقال النبي (ص): (الراحمون يرحمهم الرحمن)، وقال:( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وقال: (من لا يرحم لا يُرحم)، وقال: (إن الله وتر يحب الوتر)، وقال: (إن الله جميل يحب الجمال)، وقال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)، وقال: (إن الله نظيف يحب النظافة). وهذا شرع قطع يد السارق وقطع يد المحارب ورجله وشرع القصاص في الدماء والأموال والأبشار، فالمشروع أن تكون العقوبة من جنس المعصية مثل ما فعل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه بشاهد الزور أركبه مقلوباً على دابة وسود وجهه، فإنه لما قلب الحديث قلب عمر وجهه ولما سود وجه الحق بالكذب سود وجهه، وهذا وقد ذكره في تعزير شاهد الزور طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، ولهذا قال تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً).

وقال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) . وفي الحديث: (يحشر الجبارون والمتكبرون على صور الذر يطؤهم الناس بأرجلهم فإنهم لما وطئوا عباد الله بالذل أذلهم الله لعباده يوم القيامة). كما أنه من تواضع الله رفعه الله فجعل العباد متواضعين وكما أنه (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة). (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) (ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة). (والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة). إلى آخر الحديث كله في مثل ذلك وأن الجزاء من جنس العمل، ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة والله سبحانه وتعالى أعلم.” ([15])

أهمية الكتاب:

كتاب الأموال المشتركة من كتب تراث الاقتصاد الإسلامي الذي يجب دراستها وإخراجها إلى المجتمعات للإفادة منها، لا سيما أن أغلبها يكتب في فترات معاصرة لشيوع الفوضى الاقتصادية في العالم الإسلامية.

وتنبع أهمية كتاب الأموال المشتركة بضمه موضوعات جليلة قيمة جديرة بالدراسة والاهتمام عالجها المؤلف معالجة علمية شيقة جاءت على النحو التالي:

أولاً: تعريف بالأموال المشتركة، التي هي الأموال السلطانية، وقد حددها بثلاثة أنواع هي: الغنيمة، والصدقات والفيء.

ومصطلح “الأموال المشتركة” في الاقتصاد الإسلامي يعد من أهم المصطلحات الجديدة في علم الاقتصاد الإسلامي.

ثانياً: أورد شيخ الإسلام بعض مؤلفات الاقتصاد الإسلامي وذكر منها:

1-     الأموال لأبي عبيد. 2- الأموال لابن زنجويه.  3- الأموال للخلال.

ثالثاً: تحدث ابن تيمية عن مصارف الأموال المشتركة ودعم كل مصرف بشواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية، وبعض أقوال السلف الصالح مما هو مجتهد فيه لعدم وجود النص.

رابعاً: أورد شيخ الإسلام بعض الفتاوي فيما يتعلق بجباية السلطان للأموال، وهنا يؤكد شيخ الإسلام على طاعة ولي الأمر أو الحاكم في جباية تلك الأموال كما يجب طاعته في الحكم المتنازع عليه.

خامساً: ذكر ابن تيمية بعض الأنظمة الإدارية المالية في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فقد تحدث عن ديوان العطاء، وديوان الخراج، وديوان الجيش، وديوان النفقات.

سادساً: تحدث ابن تيمية عن سياسة الخلفاء وولاة الأمور من الملوك ودولهم في تقسيم الأموال وقسم تصرفاتهم في تقسيم الأموال إلى ثلاثة أنواع:

1-     نوع مشروع. 2- نوع مجتهد فيه.  3-نوع محرم.

سابعاً: وضع ابن تيمية قاعدة اقتصادية لرصد احتياط مالي فقال: “… فالرأي أن تجمع الأموال وترصد للحاجة” وقد أوضح الطرق المؤدية إلى جمع تلك الأموال الاحتياطية حيث قال: “وطريق ذلك أن توظف وظائف راتبة لا يحصل بها ضرر وتحصل بها المصلحة المطلوبة من إقامة الجهاد”.

ثامناً: ذكر ابن تيمية طرفاً من الضرائب غير الشرعية كالمكوس مثلاً وذكر منها:

1-     أثمان الخمور. 2- مهور البغايا.  3- أجور المغاني.

تاسعاً: تعرض شيخ الإسلام لموضوع ذي صلة بالاقتصاد الإسلامي وهو التعزير بالعقوبات المالية، وقد عقد لذلك فصلاً خاصاً، ويكاد ينفرد بهذا العلم الجليل لأن كتب (مصادر) الاقتصاد الإسلامي لم تشر إلى مثل ذلك الموضوع.

عاشراً: عقد شيخ الإسلام فصلاً خاصاً بالعملة الإسلامية تحت عنوان: “كسر سكة المسلمين”. وقد نهى شيخ الإسلام عن العبث بعملة المسلمين المتداولة بينهم مقتدياً بهدي الرسول الكريم (ص) في ذلك حينما نهى عن كسر سكة المسلمين وتغييرها. وهذا المبحث الذي أورده المؤلف في كتابه هذا يعتبر من الأعمال الجليلة التي عالجها المؤلف والتي لها صلة كبيرة بالأموال المشتركة بصفة خاصة وبالاقتصاد الإسلامي بصفة عامة، وقل من يورد مثل هذا الفصل في دراساته وخاصة من علماء الدولة الإسلامية السابقين.

الحادي عشر: وفي نهاية هذا المخطوط المتواضع، ختم شيخ الإسلام كلامه بمعلومات قيمة على أن الثواب والعقاب يكونان من جنس العمل في قدر الله وفي شرعه فإن هذا من العدل الذي تقوم به السماء والأرض.

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث

 منهج ابن تيمية في كتابه الأموال المشتركة

مشكلة الكتاب: يعتبر كتاب الأموال المشتركة من أجل مصادر الاقتصاد الإسلامي التي يعول عليها في كثير من المسائل الاقتصادية التي تهم القائمين والمهتمين بشؤون الدراسات والأبحاث الاقتصادية، لا سيما أن شيخ الإسلام ابن تيمية كتب مؤلفة هذا في فترة انتشرت فيها الفوضى الاقتصادية، واتسعت فيها الاعتداءات على الأموال، وشاع فيها السلب والنهب، وفرض الضرائب غير الشرعية “المكوس” من قبل الحكام والمتنفذين وكل ذي قوة، بسبب جلي حيناً، ومن غير أي سبب أحياناً كثيرة. وهذه الفوضى أدت إلى وجود خلافات كثيرة بين من بيده المال أو الأرض أو المنقولات، مما حدا بشيخ الإسلام في كثير من الأحيان إلى التدخل المباشر بقدر الإمكان لإنقاذ المجتمع سواء في بلاد الشام أو في مصر.

ولقد كان لحروب التتار أثر كبير على النشاط الاقتصادي في عهد المماليك البحرية سواء في مصر أو الشام مما حدا بسلاطين تلك الفترة إلى فرض ضرائب إضافية غير مشروعة لتسهم في مكافحة التتار المدمر، ولتسد النقص في موارد الدولة المالية، وهذا كله جعل شيخ الإسلام يسطر هذا المؤلف الذي بين أيدينا ليوضح فيه الأموال التي ينبغي على الدولة جبايتها فقط، وقد قسم أنواع الجبايات إلى ثلاثة أنواع، جائز ومحرم، واجتهادي. فمن هنا تنبع أهمية دراسة وإخراج هذا الكتاب القيّم.

منهجية الدراسة:

أ- أسلوب الدراسة: استخدم شيخ الإسلام ابن تيمية المنهج الوصفي في جمع المعلومات.

ب- إجراءات جمع البيانات: اعتمد شيخ الإسلام ابن تيمية لجمع البيانات مراجعة الكتب السابقة من خلال مراجعة القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين والسلف الصالح وصحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند الإمام أحمد بن حنبل وسنن الترمذي، لتحديد القاعدة الفقهية فيما يتعلق بمواضيع الأموال التي تناولها شيخ الإسلام.

ج- فروض الدراسة:

1-     ما هي أنواع الأموال المشتركة.

2-     ما هي مصارف الأموال المشتركة بكتاب الله وسنة رسوله وهل تم الإجماع عليها.

3-     تحديد أنواع سياسة الخلفاء الراشدين وولاة الأمور في تقسيم الأموال.

4-     هل هناك نظام جباية الأموال و تحديد أنواع الضرائب المشروعة والضرائب غير المشروعة.

5-     هل هناك قاعدة اقتصادية لرصد الاحتياطيات المالية لوقت الحاجة .

6-      إثبات صحة التعزير (التأديب) بالعقوبات المالية على الأفعال التي نهى عنها الشرع ولم تشرع لها عقاباً محدداً.

7-     إثبات عدم جواز العبث بالعملة الإسلامية المتداولة بين المسلمين.

8-     إثبات أن الثواب والعقاب يكونان من جنس العمل في قدر الله وشرعه.

د- أسلوب التحليل:

استخدم شيخ الإسلام ابن تيمية المنهج الاستقرائي لتحليل البيانات التي جمعها وذلك باستنتاج قاعدة فقهية فرعية استناداً إلى القاعدة الشرعية العامة التي هي كتاب الله وسنة رسوله الكريم والاقتباس من السلف الصالح من الصحابة ومن تبعهم في القرون الثلاث الأولى.

وللتحقق من الفروض قام ابن تيمية باستخدام الاستدلالات والطرق المنطقية في إثبات بعض الفروض وإجراء المقارنة في إثبات الفروض الأخرى بالاستناد إلى القرآن الكريم والسنة النبوية والصحاح والسنن التي اعتمد عليها.

 

النتائج:

1-     الأموال المشتركة هي الأموال السلطانية والأموال العقدية من وقف ونذر ووصية ونحو ذلك.

2-     الأموال المشتركة السلطانية الشرعية ثلاثة أنواع:

一-                       الفيء.   

二-                       المغانم.

            ج- الصدقة.

3-  إن الأموال المشتركة الثلاثة أعلاه مستخرجها ومصرفها بكتاب الله وسنة رسوله وأكثرها مجمع عليه وبعضها مجتهد به لعدم وجود نص كقول الخليفة عمر (رضي الله عنه) في بيع الخمر” ولوهم بيعها وخذوا أثمانها ولا تبيعوها أنتم فإن المسلم لا يحل له بيع الخمر والخنزير ويحل له قبض ثمن ذلك.”

4-     في سياسة الخلفاء وولاة الأمور من الملوك ودولهم في تقسيم الأموال ثلاثة أنواع من التصرفات:

一-                        نوع مشروع.   

二-                        نوع مجتهد فيه. 

            ج-  نوع محرم.

وضعف الرقابة المالية سواء كانت رقابة ذاتية أو رقابة إدارية وبطلان بيوت أموال المسلمين وخاصة بعد ضعف الدولة الإسلامية بعد سنة (300هـ).

5-  وضع نظام لجباية الأموال من خلال فرض الضرائب. وهناك بعض ضرائب المكوس (أثمان الخمر، مهور البغايا، أجور الغاني) غير شرعية…

6-  ثم تحديد قاعدة اقتصادية لرصد الاحتياطيات المالية لوقت الحاجات الضرورية من خلال جمع أموال احتياطية عن طريق الضرائب.

7-  قسم العقوبات المالية إلى أقسام كالإتلاف والتغيير وتمليك الغير مثل المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلافها وإتلاف محلها مثل الأصنام المعبودة وآلات الملاهي وجواز إتلاف المغشوش من الثياب والمواد الغذائية والصناعات المختلفة. والعقوبات المالية منها ما يخالف الشرع ومنها ما يوافق الشرع.

8-     عدم جواز العبث بالعملة الإسلامية والنهي عن ذلك.

9-     يجب أن يكون الثواب والعقاب من جنس العمل في قدر الله تعالى وشرعه.

 

الخاتمة:

كتاب الأموال المشتركة لشيخ الإسلام ابن تيمية من كتب الاقتصاد الإسلامي المهمة التي تناولت الموارد المالية في الدولة الإسلامية سواء كانت شرعية أو غير شرعية. وتناول أيضاً موضوع الرقابة المالية والتعزير المالي والعملة الإسلامية.

وتطرق كتاب الأموال المشتركة إلى أمور اقتصادية إسلامية مهمة مستندة لنصوص شرعية لا يمكن الاستغناء عنها وبالأخص فيما يخص الإيرادات المشتركة والنفقات المشتركة، حيث أكد على وجوه صرف الأموال، فأكد على أن الإنفاق يجب أن يبدأ بالأهم فالمهم من مصالح المسلمين، وأن يتم الإنفاق على الخدمات والمشاريع الهامة التي تعود بالخير العام وأن تكون تلك الخدمات في مقدمة أولويات برامج الإنفاق العام. أما فيما يخص الإيرادات فأكد على ضرورة تكوين الإيرادات العامة من خلال فرض الضرائب وتكوين احتياطي مالي لغايات الحاجة.

مما يؤكد دقة الكتاب وأهمية الالتزام بمضمونه وملاءمته في الوقت الراهن رغم البعد الزمني بين تأليف الكتاب والوقت الحالي، فأن معظم الدراسات الحديثة والأدبيات المعاصرة تؤكد على ضرورة تطوير سياسات الإنفاق العام بحيث تراعى الأولويات والأهداف المالية والاقتصادية للدولة وتنسجم مع متطلبات الإدارة المالية الحديثة وقيامها على أسس علمية رشيدة في مجال اتخاذ القرارات من خلال تحديد الأهمية النسبية لكل نوع من أنواع النفقات والإنفاق على أساس الأهم فالمهم وهكذا وضمن الموارد المالية المتاحة.

وتطرق الكتاب إلى ضعف الرقابة المالية سواء كانت رقابة ذاتية أو رقابة إدارية وبطلان بيوت أموال المسلمين، مما أشاع اختلاس وسرقة أموال المسلمين لخزائن القائمين عليها من الأمراء. وهذا الموضوع من الأهمية في موضوع المحافظة على الموارد المالية التي يجب العمل عليها والتشديد فيها.

ومما يؤكد دقة الكتاب في موضوع الرقابة المالية وأهمية الالتزام بمضمون الرقابة المالية وملاءمتها مع الوقت الراهن أن معظم الدراسات والأدبيات الحديثة أكد على ضرورة تعزيز الجانب الرقابي على الأموال العامة للدولة من خلال تشديد الرقابة السابقة للتعرف على كافة التصرفات والقرارات المالية ضمن مؤسسات الدول بما يضمن الأنفاق وعدم الإسراف مع ضرورة تشديد دور ديوان المحاسبة لتشديد الرقابة المالية على المؤسسات العامة.

وبناء على ما جاء أعلاه فإن منهج كتاب الأموال المشتركة بالرغم من قدمه إلا أنه منهج دقيق يمكن الاستفادة منه في الوقت الحاضر لأنه يتطرق إلى أمور مالية مهمة لازالت الشغل الشاغل وأعتقد أن الالتزام بالمضمون الإسلامي الذي تطرق إليه شيخ الإسلام ابن تيمية سيؤدي إلى حفظ حقوق المسلمين من حيث مقابلة الإيرادات العامة للنفقات العامة ضمن مجالات إنفاق شرعية ومهمة للحياة العامة وللمصلحة العامة للمسلمين.

المراجع

– ابن تيمية، الأموال المشتركة، تحقيق ضيف الله بن يحيى الزهراني، الطبعة (1)، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة،1986.

– ابن رجب (أبو الفرج) عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي، الذيل على طبقات الحنابلة، تحقيق محمد حامد الفقي، الجزء (2)، مصر.

– ابن شاكر الكتبي، عيون التواريخ، تحقيق نبيلة عبد المنعم داود وفيصل السامر، وزارة الثقافة والإعلام، العراق، 1982.

– ابن شاكر الكتبي، محمد بن شاكر، فوات الوفيات، تحقيق: محي الدين عبد الحميد، القاهرة، 1951.

– ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية ، مكتبة المعارف ، بيروت، 1978، جزء   (13) ، جزء (14) .

– الذهبي، النصيحة الذهبية في ذيل بيان زغل العلم، دار المقدسي للنشر، دمشق.

– الذهبي، تذكرة الحفاظ، السلسلة الجديدة، من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية، دار إحياء التراث العربي.

– الشيخ احمد القطان ومحمد الزين، شيخ الإسلام احمد تقي الدين بن تيمية: جهاده-دعوته-عقيدته،   ط(1)،مكتبة السندس، الأردن، اذار1986.

– خير الدين الزركلي، الأعلام:قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين،الجزء(1)،دار العلم للملايين،بيروت،ط(5)، ايار1980.

– سعد صادق محمد، شيخ الإسلام ابن تيمية أمام السيف والقلم، ط(1)، دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض،1987.

– محمد حربي،ابن تيمية وموقفه من أهم الفرق والديانات في عصره،عالم الكتب،بيروت،1987.

 

 


(1) ابن شاكر الكتبي، محمد بن شاكر، فوات الوفيات، تحقيق: محي الدين عبد الحميد، القاهرة، 1951. وابن شاكر الكتبي، عيون التواريخ، تحقيق نبيلة عبد المنعم داود وفيصل السامر، وزارة الثقافة والإعلام، العراق، 1982.

(2) ابن رجب (أبو الفرج) عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي، الذيل على طبقات الحنابلة، تحقيق محمد حامد الفقي، الجزء  (2)، مصر، ص. 387-408.

(1) الذهبي، النصيحة الذهبية في ذيل بيان زغل العلم، دار المقدسي للنشر، دمشق، ص. ص 23-24، وابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية ، مكتبة المعارف ، بيروت، 1978، جزء (13) ص 303، 333، 344، جزء (14) ص4، 7، 8، 10.

(3) ) خير الدين الزركلي، الأعلام:قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين،الجزء   (1)،دار العلم للملايين،بيروت،ط(5)، ايار1980،ص.144.

 

(2) محمد حربي، نفس المصدر السابق، ص. 39.

(3) الذهبي، تذكرة الحفاظ، السلسلة الجديدة، من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية، دار إحياء التراث العربي، ص1496. وابن كثير ، البداية والنهاية، نفس المصدر السابق.

(3) محمد حربي، نفس المصدر السابق، ص. 35.

(1)  سعد صادق محمد، نفس المصدر السابق، ص.219-220.

(1)ابن تيمية، الأموال المشتركة، تحقيق ضيف الله بن يحيى الزهراني، الطبعة (1)، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة،1986، ص36.

 

(1) ابن تيمية، الأموال المشتركة، تحقيق ضيف الله بن يحيى الزهراني، الطبعة (1)، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة،1986، ص43.

(2) نفس المصدر السابق، ص. ص 44-45.

(1) نفس المصدر السابق ص. ص 46-47.

(2) نفس المصدر السابق ص. ص. 54-55.

(1) نفس المصدر السابق ص. ص. 57-58.

(1) نفس المصدر السابق ص. ص. 59.

(2) نفس المصدر السابق ص. ص. 69-70.

(2) نفس المصدر السابق، ص. ص. 77-78.

(1) نفس المصدر السابق، ص.ص. 81-82. صورة


Hello world!

Welcome to WordPress.com. After you read this, you should delete and write your own post, with a new title above. Or hit Add New on the left (of the admin dashboard) to start a fresh post.

Here are some suggestions for your first post.

  1. You can find new ideas for what to blog about by reading the Daily Post.
  2. Add PressThis to your browser. It creates a new blog post for you about any interesting  page you read on the web.
  3. Make some changes to this page, and then hit preview on the right. You can always preview any post or edit it before you share it to the world.